﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ يَقُولُ : وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ الْفَرِيقَيْنِ : لاَ فَرِيقَ الإِحْسَانِ، وَلاَ فَرِيقَ الإِسَاءَةِ، بِأَنْ يُجَازِي الْمُحْسِنَ بِالإِسَاءَةِ وَالْمُسِيءَ بِالإِحْسَانِ، وَلَكِنَّهُ يُجَازِي كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ مِنَ الْجَزَاءِ مَا هُوَ لَهُ، لِأَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ حَكِيمٌ لاَ يَضَعُ شَيْئًا إِلاَّ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يَضَعَهُ فِيهِ، وَلاَ يُجَازِي أَحَدًا إِلاَّ بِمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ الْجَزَاءِ.
وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ مَعْنَى الظُّلْمِ وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بِشَوَاهِدِهِ الْمُغْنِيَةِ عَنْ إِعَادَتِهَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنْ كَانَ الأَمْرُ كَمَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّ مَعْنَى الْحَسَنَةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الإِيمَانُ بِاللَّهِ وَالإِقْرَارُ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَالتَّصْدِيقُ بِرَسُولِهِ، وَالسَّيِّئَةُ فِيهِ الشِّرْكُ بِهِ وَالتَّكْذِيبُ لِرَسُولِهِ، فَلِلإِيمَانِ أَمْثَالٌ فَيُجَازَى بِهَا الْمُؤْمِنُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ فَكَيْفَ يُجَازَى بِهِ، وَالإِيمَانُ إِنَّمَا هُوَ عِنْدَكَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، وَالْجَزَاءُ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ عَلَيْهِ الْكَرَامَةُ فِي الآخِرَةِ، وَالإِنْعَامُ عَلَيْهِ بِمَا أَعَدَّ لِأَهْلِ كَرَامَتِهِ مِنَ النَّعِيمِ فِي دَارِ الْخُلُودِ، وَذَلِكَ أَعْيَانٌ تُرَى وَتُعَايَنُ وَتُحَسُّ وَيُلْتَذُّ بِهَا، لاَ قَوْلٌ يُسْمَعُ وَلاَ كَسْبُ جَوَارِحَ ؟
قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ : مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَوَافَى اللَّهَ بِهَا لَهُ مُطِيعًا، فَإِنْ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ ثَوَابَ عَشْرِ حَسَنَاتٍ أَمْثَالِهَا.


الصفحة التالية
Icon