وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ :﴿دِينًا قِيَمًا﴾ بِكَسْرِ الْقَافِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا، وَقَالُوا : الْقَيِّمُ وَالْقِيَمُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَهُمْ لُغَتَانِ مَعْنَاهُمَا : الدِّينُ الْمُسْتَقِيمُ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي قِرَاءَةِ الأَمْصَارِ، مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَهُوَ لِلصَّوَابِ مُصِيبٌ، غَيْرَ أَنَّ فَتْحَ الْقَافِ وَتَشْدِيدَ الْيَاءِ أَعْجَبُ إِلَيَّ، لِأَنَّهُ أَفْصَحُ اللُّغَتَيْنِ وَأَشْهَرُهُمَا.
وَنَصَبَ قَوْلَهُ :﴿دِينًا﴾ عَلَى الْمَصْدَرِ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْنَى هَدَانِي رَبِّي إِلَى دَيْنٍ قَوِيمٍ، فَاهْتَدَيْتُ لَهُ دِينًا قِيَمًا، فَالدِّينُ مَنْصُوبٌ مِنَ الْمَحْذُوفِ الَّذِي هُوَ (اهْتَدَيْتُ) الَّذِي نَابَ عَنْهُ قَوْلُهُ :﴿إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾.
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ : إِنَّمَا نُصِبَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ :﴿هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ عَرَفَ شَيْئًا، فَقَالَ :﴿دِينًا قِيَمًا﴾ كَأَنَّهُ قَالَ : عَرَفْتُ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ.
وَأَمَّا مَعْنَى الْحَنِيفِ، فَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي مَكَانِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ بِشَوَاهِدِهِ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿قُلْ﴾ يَا مُحَمَّدُ لِهَؤُلاَءِ الْعَادِلِينَ بِرَبِّهِمُ الأَوْثَانَ وَالأَصْنَامَ، الَّذِينَ يَسْأَلُونَكَ أَنْ تَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ عَلَى الْبَاطِلِ مِنْ عِبَادَةَ الآلِهَةِ وَالأَوْثَانِ.


الصفحة التالية
Icon