يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَذِّرْ هَؤُلاَءِ الْعَابِدِينَ غَيْرِي وَالْعَادِلِينَ بِيَ الآلِهَةَ وَالأَوْثَانَ سَخَطِي، لاَ أُحِلَّ بِهِمْ عُقُوبَتِي فَأُهْلِكُهُمْ كَمَا أَهْلَكْتُ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَهُمْ، فَكَثِيرًا مَا أَهْلَكْتُ قَبْلَهُمْ مِنْ أَهْلِ قُرًى عَصَوْنِي وَكَذَّبُوا رُسُلِي وَعَبَدُوا غَيْرِي. ﴿فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا﴾ يَقُولُ : فَجَاءَتْهُمْ عُقُوبَتُنَا وَنِقْمَتُنَا لَيْلاً قَبْلَ أَنْ يُصْبِحُوا، أَوْ جَاءَتْهُمْ قَائِلِينَ، يَعْنِي نَهَارًا فِي وَقْتِ الْقَائِلَةِ.
وَقِيلَ :﴿وَكَمْ﴾ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلاَمِ مَا وَصَفْتُ مِنَ الْخَبَرِ عَنْ كَثْرَةِ مَا قَدْ أَصَابَ الأُمَمَ السَّالِفَةَ مِنَ الْمَثُلاَثِ بِتَكْذِيبِهِمْ رُسُلَهُ وَخِلاَفِهِمْ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ إِذَا أَرَادُوا الْخَبَرَ عَنْ كَثْرَةِ الْعَدَدِ، كَمَا قَالَ الْفَرَزْدَقُ :
كَمْ عَمَّةٍ لَكَ يَا جَرِيرُ وَخَالَةٍ | فَدْعَاءَ قَدْ حَلَبَتْ عَلَيَّ عِشَارِي |
قِيلَ : إِنَّ الْقُرَى لاَ تُسَمَّى قُرًى، وَلاَ الْقَرْيَةُ قَرْيَةً، إِلاَّ وَفِيهَا مَسَاكِنُ لِأَهْلِهَا وَسُكَّانٌ مِنْهُمْ، فَفِي إِهْلاَكِهَا مَنْ فِيهَا مِنْ أَهْلِهَا.
وَقَدْ كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَرَى أَنَّ الْكَلاَمَ خَرَجَ مَخْرَجَ الْخَبَرِ عَنِ الْقَرْيَةِ، وَالْمُرَادُ بِهِ أَهْلُهَا.
وَالَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَوْلَى بِالْحَقِّ لِمُوَافَقَتِهِ ظَاهِرَ التَّنْزِيلِ الْمَتْلُوِّ.