وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ : بَلْ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ قَالَ : وَمَعْنَى الْكَلاَمِ : فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ، اتَّقُوا أَنْ تَقُولُوا. قَالَ : وَمَثَّلَهُ بِقَوْلِ اللَّهِ :﴿أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ﴾.
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ : هُوَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ. قَالَ : وَنَصْبُهُ مِنْ مَكَانَيْنِ : أَحَدُهُمَا (أَنْزَلْنَاهُ لِئَلاَّ يَقُولُ : إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى). وَالآخَرُ مِنْ قَوْلِهِ :﴿اتَّقُوا﴾ قَالَ : وَلاَ يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِ أَنْ كَقَوْلِهِ :﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾.
وَأَوْلَى هَذِهِ الأَقْوَالِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : نَصَبَ (أَنْ) لِتَعَلُّقِهَا بِالإِنْزَالِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ لِئَلاَّ تَقُولُوا : إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا.
فَأَمَّا الطَّائِفَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا اللَّهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إِنَّمَا أَنْزَلَ كِتَابَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ، لِئَلاَّ يَقُولَ الْمُشْرِكُونَ : لَمْ يَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابٌ فَنَتَّبِعَهُ، وَلَمْ نُؤْمَرْ وَلَمْ نُنْهَ، فَلَيْسَ عَلَيْنَا حُجَّةٌ فِيمَا نَأْتِي وَنَذَرُ، إِذْ لَمْ يَأْتِ مِنَ اللَّهِ كِتَابٌ وَلاَ رَسُولٌ، وَإِنَّمَا الْحُجَّةُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ اللَّتَيْنِ أُنْزِلَ عَلَيْهِمَا الْكِتَابُ مِنْ قَبْلِنَا، فَإِنَّهُمَا الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
وَكَذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.


الصفحة التالية
Icon