وَإِنَّمَا قُلْنَا إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِمَا قَدْ مَضَى مِنْ دِلاَلَتِنَا قَبْلُ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ شَيْءٌ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَأَنَّ لِكُلِّ كَلِمَةٍ مَعْنًى صَحِيحًا، فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ (لاَ) فِي الْكَلاَمِ حَشْوٌ لاَ مَعْنَى لَهَا.
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ : مَعْنَى الْمَنْعِ هَهُنَا : الْقَوْلُ، فَلِذَلِكَ دَخَلَتْ (لاَ) مَعَ (أَنْ)، فَإِنَّ الْمَنْعَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ قَوْلاً وَفِعْلاً، فَلَيْسَ الْمَعْرُوفُ فِي النَّاسِ اسْتِعْمَالَ الْمَنْعِ فِي الأَمْرِ بِتَرْكِ الشَّيْءِ، لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِتَرْكِ الْفِعْلِ إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ فَفَعَلَهُ لاَ يُقَالُ فَعَلَهُ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ فِعْلِهِ إِلاَّ عَلَى اسْتِكْرَاهٍ لِلْكَلاَمِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْفِعْلِ حَوَّلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَغَيْرُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ وَهُوَ مَحُولٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَاعِلاً لَهُ، لِأَنَّهُ إِنْ جَازَ ذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحُولاً بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ لاَ مَحُولاً وَمَمْنُوعًا لاَ مَمْنُوعًا.
وَبَعْدُ، فَإِنَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَأْتَمِرْ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالسُّجُودِ لِآدَمَ كِبْرًا، فَكَيْفَ كَانَ يَأْتَمِرُ لِغَيْرِهِ فِي تَرْكِ أَمْرِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ بِتَرْكِ السُّجُودِ لِآدَمَ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لَهُ : أَيُّ شَيْءٍ قَالَ لَكَ لاَ تَسْجُدْ لِآدَمَ إِذْ أَمَرْتُكَ بِالسُّجُودِ لَهُ ؟ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مَا قُلْتُ : مَا مَنَعَكَ مِنَ السُّجُودِ لَهُ، فَأَحْوَجَكَ، أَوْ فَأَخْرَجَكَ، أَوْ فَاضْطَرَّكَ إِلَى أَنْ لاَ تَسْجُدَ لَهُ عَلَى مَا بَيَّنْتُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ فَإِنَّهُ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ جَوَابِ إِبْلِيسَ إِيَّاهُ إِذْ سَأَلَهُ : مَا الَّذِي مَنَعَهُ مِنَ السُّجُودِ لِآدَمَ، @