الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾.
وَهَذَا تَذْكِيرٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُنَاصَحَةٌ. يَقُولُ : أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَاسْتَجِيبُوا لَهُ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَلاَ تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، وَإِنْ أَمَرَكُمْ بِمَا فِيهِ عَلَيْكُمُ الْمَشَقَّةُ وَالشِّدَّةُ، فَإِنَّ اللَّهَ يُهَوِّنْهُ عَلَيْكُمْ بِطَاعَتِكُمْ إِيَّاهُ وَيُعَجِّلُ لَكُمْ مِنْهُ مَا تُحِبُّونَ، كَمَا فَعَلَ بِكُمْ إِذْ آمَنْتُمْ بِهِ وَاتَّبَعْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ قَلِيلٌ يَسْتَضْعِفُكُمُ الْكُفَّارُ فَيَفْتِنُونَكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَيَنَالُونَكُمْ بِالْمَكْرُوهِ فِي أَنْفُسِكُمْ وَأَعْرَاضِكُمْ تَخَافُونَ مِنْهُمْ أَنْ يَتَخَطَّفُوكُمْ فَيَقْتُلُوكُمْ وَيَصْطَلِمُوا جَمِيعَكُمْ ﴿فَآوَاكُمْ﴾ يَقُولُ : فَحَمَلَ لَكُمْ مَأْوًى تَأْوُونَ إِلَيْهِ مِنْهُمْ. ﴿وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ﴾ يَقُولُ : وَقَوَّاكُمْ بِنَصْرِهِ عَلَيْهِمْ، حَتَّى قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ مَنْ قَتَلْتُمْ بِبَدْرٍ. ﴿وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ يَقُولُ : وَأَطْعَمَكُمْ غَنِيمَتَهُمْ حَلاَلاً طَيِّبًا. ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ يَقُولُ : لِكَيْ تَشْكُرُوا عَلَى مَا رَزَقَكُمْ وَأَنْعَمَ بِهِ عَلَيْكُمْ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ مِنْ نِعَمِهِ عِنْدَكُمْ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّاسِ الَّذِينَ عَنَوْا بِقَوْلِهِ :﴿أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : كُفَّارُ قُرَيْشٍ.


الصفحة التالية
Icon