ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ الأَرْبَعِينَ :﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ﴾ الآيَةَ، وَلَكُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : وَهَذَا الْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَى فُقَرَائِكُمْ يَصْنَعُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي ذَلِكَ الْخُمُسِ مَا أَحَبَّا، وَيَضَعَانِهِ حَيْثُ أَحَبَّا، ثُمَّ أَخْبَرَنَا اللَّهُ الَّذِي يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ قَرَأَ الآيَةَ :﴿وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لاَ يَكُونَ دَوْلَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ الأَنْفَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ مَنْ شَاءَ، فَنَفَّلَ الْقَاتِلَ السَّلَبَ، وَجَعَلَ لِلْجَيْشِ فِي الْبَدَاءَةِ الرُّبُعَ وَفِي الرَّجْعَةِ الثُّلُثَ بَعْدَ الْخُمُسِ، وَنَفَّلَ قَوْمًا بَعْدَ سُهْمَانِهِمْ بَعِيرًا بَعِيرًا فِي بَعْضِ الْمَغَازِي. فَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ حُكْمَ الأَنْفَالِ إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَفِّلُ عَلَى مَا يَرَى مِمَّا فِيهِ صَلاَحُ الْمُسْلِمِينَ، وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ مِنَ الأَئِمَّةِ أَنْ يَسْتَنُّوا بِسُنَّتِهِ فِي ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا مَنْسُوخٌ لاِحْتِمَالِهَا مَا ذَكَرْتُ مِنَ الْمَعْنَى الَّذِي وَصَفْتُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُحْكُمَ بِحُكْمٍ قَدْ نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ إِلاَّ بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا، فَقَدْ دَلَلْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنْ كُتُبِنَا عَلَى أَنْ لاَ مَنْسُوخَ إِلاَّ مَا أَبْطَلَ حُكْمَهُ حَادِثٌ حَكَمَ بِخِلاَفِهِ يَنْفِيهِ مِنْ كُلِّ مَعَانِيهِ، أَوْ يَأْتِي خَبَرٌ يُوجِبُ الْحُجَّةَ أَنَّ أَحَدَهُمَا نَاسِخٌ الآخَرَ.