وَبَلَغَ أَبَا سُفْيَانَ خُرُوجُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَبَعَثَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يَسْتَعِينُهُمْ، فَبَعَثَ رَجُلاً مِنْ بَنِي غِفَارٍ يُدْعَى ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَشْعُرُ بِخُرُوجِ قُرَيْشٍ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ بِخُرُوجِهِمْ، فَتَخَوَّفَ مِنَ الأَنْصَارِ أَنْ يَخْذُلُوهُ وَيَقُولُوا : إِنَّا عَاهَدْنَا أَنْ نَمْنَعْكَ إِنْ أَرَادَكَ أَحَدٌ بِبَلَدِنَا. فَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَاسْتَشَارَهُمْ فِي طَلَبِ الْعِيرِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : إِنِّي قَدْ سَلَكْتُ هَذَا الطَّرِيقَ، فَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ، وَقَدْ فَارَقَهُمُ الرَّجُلُ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَادَ فَشَاوَرَهُمْ، فَجَعَلُوا يُشِيرُونَ عَلَيْهِ بِالْعِيرِ. فَلَمَّا أَكْثَرَ الْمَشُورَةَ، تَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَاكَ تُشَاوِرُ أَصْحَابَكَ فَيُشِيرُونَ عَلَيْكَ وَتَعُودُ فَتُشَاوِرُهُمْ، فَكَأَنَّكَ لاَ تَرْضَى مَا يُشِيرُونَ عَلَيْكَ وَكَأَنَّكَ تَتَخَوَّفُ أَنْ تَتَخَلَّفَ عنكَ الأَنْصَارُ، أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ الْكِتَابُ، وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِالْقِتَالِ وَوَعَدَكَ النَّصْرَ، وَاللَّهُ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لاَ يَتَخَلَّفُ عنكَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ، ثُمَّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ الْكِنْدِيُّ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لاَ نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى :﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾ وَلَكِنَّا نَقُولِ : أَقْدِمْ فَقَاتِلْ إِنَّا مَعَكَ مُقَاتِلُونَ، فَفَرِحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَقَالَ : إِنَّ رَبِّي وَعَدَنِي الْقَوْمَ وَقَدْ خَرَجُوا فَسِيرُوا إِلَيْهِمْ فَسَارُوا.
١٥٧٩٦- حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ :﴿وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ قَالَ : الطَّائِفَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ إِذْ أَقْبَلَ بِالْعِيرِ مِنَ الشَّأْمِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى أَبُو جَهْلٍ مَعَهُ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ. فَكَرِهَ الْمُسْلِمُونَ الشَّوْكَةَ وَالْقِتَالَ، وَأَحَبُّوا أَنْ يَلْقَوُا الْعِيرَ، وَأَرَادَ اللَّهُ مَا أَرَادَ.


الصفحة التالية
Icon