وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ :﴿مُوهِنُ﴾ فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ الْمَكِّيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ :(مُوَهِّنُ) بِالتَّشْدِيدِ، مِنْ وَهَّنْتُ الشَّيْءَ : ضَعَّفْتُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ :﴿مُوهِنُ﴾ مِنْ أَوْهَنْتُهُ فَأَنَا مُوهِنُهُ، بِمَعْنَى أَضْعَفْتُهُ.
وَالتَّشْدِيدُ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ إِلَيَّ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ يَنْقُضُ مَا يُبْرِمُهُ الْمُشْرِكُونَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، عَقْدًا بَعْدَ عَقْدٍ، وَشَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَإِنْ كَانَ الآخَرُ وَجْهًا صَحِيحًا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُوا نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ حَارَبُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَدْرٍ :﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ يَعْنِي : إِنْ تَسْتَحْكِمُوا اللَّهَ عَلَى أَقْطَعِ الْحِزْبَيْنِ لِلرَّحِمِ وَأَظْلَمِ الْفِئَتَيْنِ، وَتَسْتَنْصِرُوهُ عَلَيْهِ، فَقَدْ جَاءَكُمْ حُكْمُ اللَّهِ وَنَصْرُهُ الْمَظْلُومَ عَلَى الظَّالِمِ، وَالْمُحِقَّ عَلَى الْمُبْطِلِ.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
١٥٩٠٧- حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ :﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ قَالَ : إِنْ تَسْتَقْضُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْقَضَاءُ.