مُسْتَجِيرًا بِهِ مِنْ عَذَابِهِ الْوَاقِعِ بِهِ لَمَّا نَادَاهُ وَقَدْ عَلَتْهُ أَمْوَاجُ الْبَحْرِ وَغَشِيَتْهُ كَرَبُ الْمَوْتِ :﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ لَهُ، الْمُنْقَادِينَ بِالذِّلَّةِ لَهُ، الْمُعْتَرِفِينَ بِالْعُبُودِيَّةِ : الآنَ تُقِرُّ لِلَّهِ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَتَسْتَسْلِمُ لَهُ بِالذِّلَّةِ، وَتَخْلُصُ لَهُ الأُلُوهَةَ، وَقَدْ عَصَيْتَهُ قَبْلَ نُزُولِ نِقْمَتِهِ بِكَ فَأَسْخَطْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيلِهِ ؟ فَهَلاَّ وَأَنْتَ فِي مَهْلٍ، وَبَابُ التَّوْبَةِ لَكَ مُنْفَتِحٌ أَقْرَرْتَ بِمَا أَنْتَ بِهِ الآنَ مُقِرٌّ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِفِرْعَونَ : فَالْيَوْمَ نَجْعَلُكَ عَلَى نَجْوَةِ الأَرْضِ بِبَدَنِكَ، يَنْظُرُ إِلَيْكَ هَالِكًا مَنْ كَذَّبَ بِهَلاَكِكَ. ﴿لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً﴾ يَقُولُ : لِمَنْ بَعْدَكَ مِنَ النَّاسِ عِبْرَةً يَعْتَبِرُونَ بِكَ، فَيَنْزَجِرُونَ عَنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ وَالسَّعْي فِي أَرْضِهِ بِالْفَسَادِ.
وَالنَّجْوَةُ : الْمَوْضِعُ الْمُرْتَفِعُ عَلَى مَا حَوْلَهُ مِنَ الأَرْضِ، وَمِنْهُ قَوْلُ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ :

فَمَنْ بِعَقْوَتِهِ كَمَنْ بِنَجْوَتِهِ وَالْمُسْتَكِنُّ كَمَنْ يَمْشِي بِقُرْوَاحِ
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.


الصفحة التالية
Icon