وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ مُحَمَّدٌ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُجْمِعِينَ عَلَى نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ وَالإِقْرَارِ بِهِ وَبِمَبْعَثِهِ غَيْرَ مُخْتَلِفَيْنِ فِيهِ بِالنَّعْتِ الَّذِي كَانُوا يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرَ بِهِ بَعْضُهُمُ وَآمَنَ بِهِ مِنْ بَعْضِهِمْ، وَالْمُؤْمِنُونَ بِهِ مِنْهُمْ كَانُوا عَدَدًا قَلِيلاً، فَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ وَمَعْنَاهُ حَتَّى جَاءَهُمُ الْمَعْلُومُ الَّذِي كَانُوا يَعْلَمُونَهُ نَبِيًّا لِلَّهِ، فَوَضَعَ الْعِلْمَ مَكَانَ الْمَعْلُومِ.
وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَتَأَوَّلُ الْعِلْمَ هَهُنَا كِتَابَ اللَّهِ وَوَحْيِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
١٧٩٦٨- حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ : أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ : قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ :﴿فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ﴾ قَالَ : الْعِلْمُ : كِتَابُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَهُ وَأَمْرُهُ الَّذِي أَمَرَهُمْ بِهِ، وَهَلْ اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ أَهْلُ الأَهْوَاءِ، هَلِ اقْتَتَلُوا إِلاَّ عَلَى الْبَغْيِ ؟ قَالَ : وَالْبَغْيُ وَجْهَانِ : وَجْهُ النَّفَاسَةِ فِي الدُّنْيَا وَمَنِ اقْتَتَلَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَبَغْيٌ فِي الْعِلْمِ يَرَى هَذَا جَاهِلاً مُخْطِئًا وَيَرَى نَفْسَهُ مُصِيبًا عَالِمًا، فَيَبْغِي بِإِصَابَتِهِ وَعِلْمِهِ عَلَى هَذَا الْمُخْطِئُ.
وَقَوْلُهُ :﴿إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِيكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِي فِي الدُّنْيَا يَخْتَلِفُونَ، بِأَنْ يُدْخِلَ الْمُكَذِّبِينَ بِكَ مِنْهُمُ النَّارَ، وَالْمُؤْمِنِينَ بِكَ مِنْهُمُ الْجَنَّةَ. فَذَلِكَ قَضَاؤُهُ يَوْمَئِذٍ فِيمَا كَانُوا يَخْتَلِفُونَ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.


الصفحة التالية
Icon