وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ﴾ الآيَةَ، فَهُوَ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مُبْتَدَأٌ، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : أُقْسِمُ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ الْيَقِينُ مِنَ الْخَبَرِ بِأَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ، وَأَنَّ هَؤُلاَءِ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى يَعْلَمُونَ صِحَّةَ ذَلِكَ، وَيَجِدُونَ نَعْتَكَ عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ. ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ يَقُولُ : فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِينَ فِي صِحَّةِ ذَلِكَ وَحَقِيقَتِهِ.
وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ : إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ خُوطِبَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِهَا بَعْضُ مَنْ لَمْ يَكُنْ صَحَّتْ بَصِيرَتُهُ بِنُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الإِيمَانَ بِلِسَانِهِ، تَنْبِيهًا لَهُ عَلَى مَوْضِعِ تَعَرُّفِ حَقِيقَةِ أَمْرِهِ الَّذِي يُزِيلُ اللَّبْسَ عَنْ قَلْبِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلاَ تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ ؛ كَانَ قَوْلاً غَيْرُ مَدْفُوعَةٍ صِحَّتُهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلاَ تَكُونَنَّ يَا مُحَمَّدُ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِحُجَجِ اللَّهِ وَأَدِلَّتِهِ، فَتَكُونَ مِمَّنْ غَبُنَ حَظُّهُ وَبَاعَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَرِضَاهُ بِسَخَطِهِ وَعِقَابِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الأَلِيمَ﴾.


الصفحة التالية
Icon