قَالَ : وَكَذَلِكَ :﴿إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ الْعَدَدُ كُلُّهُ يُفَسَرُ بِهِ، فَيُقَالُ : رَأَيْتُ قَوْمًا أَرْبَعَةً، فَمَا جَاءَ بِاثْنَيْنِ وَقَدِ اكْتَفَى بِالْعَدَدِ مِنْهُ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : عِنْدِي دِرْهَمٌ وَدِرْهَمَانِ، فَيَكْفِي مِنْ قَوْلِهِمْ : عِنْدِي دِرْهَمٌ وَاحِدٌ وَدِرْهَمَانِ اثْنَانِ، فَإِذَا قَالُوا دَرَاهِمَ، قَالُوا ثَلاَثَةً، لِأَنَّ الْجَمْعَ يَلْتَبِسُ وَالْوَاحِدُ وَالاِثْنَانِ لاَ يَلْتَبِسَانِ، لَمْ يُثَنِ الْوَاحِدَ وَالتَّثْنِيَةُ عَلَى تَنَافِي الْجَمْعِ، لِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ، لِأَنَّ دِرْهَمًا يَدُلُّ عَلَى الْجِنْسِ الَّذِي هُوَ مِنْهُ، وَوَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى كُلِّ الأَجْنَاسِ، وَكَذَلِكَ اثْنَانِ يَدُلاَّنِ عَلَى كُلِّ الأَجْنَاسِ، وَدِرْهَمَانِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا، فَلِذَلِكَ جَاءَ بِالأَعْدَادِ لِأَنَّهُ الأَصْلُ.
وَقَوْلُهُ :﴿أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّهُ لَنْ يُصَدِّقَكَ يَا مُحَمَّدُ وَلَنْ يَتَّبِعَكَ وَيَقِرَّ بِمَا جِئْتَ بِهِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ رَبُّكَ أَنْ يُصَدِّقَكَ، لاَ بِإِكْرَاهِكَ إِيَّاهُ وَلاَ بِحِرْصِكَ عَلَى ذَلِكَ، أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ لَكَ مُصَدِّقِينَ عَلَى مَا جِئْتَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّكَ ؟ يَقُولُ لَهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ وَ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ أَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ : وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ خَلَقْتُهَا مِنْ سَبِيلٍ إِلَى تَصْدِيقِكَ يَا مُحَمَّدُ إِلاَّ بِإِذْنِ آذِنٌ لَهَا فِي ذَلِكَ، فَلاَ تُجْهِدَنَّ نَفْسَكَ فِي طَلَبِ هُدَاهَا، وَبَلِّغْهَا وَعِيدَ اللَّهِ وَعَرِّفْهَا مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ بِتَعْرِيفِهَا، ثُمَّ خَلِّهَا، فَإِنَّ هُدَاهَا بِيَدِ خَالِقِهَا.