وَلِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : تَوَجُّعٌ وَتَحَزُّنٌ وَتَضَرُّعٌ، اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِيهِ الاِخْتِلاَفَ الَّذِي ذَكَرْتُ، فَقَالَ مَنْ قَالَ مَعْنَاهُ الرَّحْمَةُ : أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى وَجْهِ الرِّقَةِ عَلَى أَبِيهِ وَالرَّحْمَةِ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ.
وَقَالَ آخَرُونَ : إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ لِصِحَّةِ يَقِينِهِ وَحُسْنِ مَعْرِفَتِهِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ وَتَوَاضُعِهِ لَهُ.
وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ لِصِحَّةِ إِيمَانِهِ بِرَبِهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عِنْدَ تِلاَوَتِهِ تَنْزِيلَ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ آخَرُونَ : كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ عِنْدَ ذِكْرِ رَبِّهِ.
وَكُلُّ ذَلِكَ عَائِدٌ إِلَى مَا قُلْتُ، وَتَقَارَبَ مَعْنَى بَعْضِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ ؛ لِأَنَّ الْحَزِينَ الْمُتَضَرِّعَ إِلَى رَبِّهِ الْخَاشِعَ لَهُ بِقَلْبِهِ، يَنُوبُهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَسْأَلَتِهِ رَبَّهُ وَدُعَائِهِ إِيَّاهُ فِي حَاجَاتِهِ، وَتَعْتَوِرُهُ هَذِهِ الْخِلاَلُ الَّتِي وَجَّهَ الْمُفَسِّرُونَ إِلَيْهَا تَأْوِيلَ قَوْلِ اللَّهِ :﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَقْضِيَ عَلَيْكُمْ فِي اسْتِغْفَارِكُمْ لِمَوتَاكُمُ الْمُشْرِكِينَ بِالضَّلاَلِ بَعْدَ إِذْ رَزَقَكُمُ الْهِدَايَةَ وَوَفَّقَكُمْ لِلإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ، @


الصفحة التالية
Icon