وَقَوْلُهُ :﴿أَلاَ بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِلاَّ أَبْعَدَ اللَّهُ مَدْيَنَ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِحْلاَلِ نَقْمَتِهِ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ، يَقُولُ : كَمَا بَعِدَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ ثَمُودُ مِنْ رَحْمَتِهِ بِإِنْزَالِ سَخَطِهِ بِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾.
يَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ : وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِأَدِلَّتِنَا عَلَى تَوْحِيدِنَا، وَحُجَّةٍ تُبَيِّنُ لِمَنْ عَايَنَهَا، وَتَأَمَّلَهَا بِقَلْبٍ صَحِيحٍ، أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَكَذِبِ كُلِّ مَنِ ادَّعَى الرُّبُوبِيَّةَ دُونَهُ، وَبُطُولِ قَوْلِ مَنْ أَشْرَكَ مَعَهُ فِي الأُلُوهَةِ غَيْرَهُ. ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ﴾ يَعْنِي إِلَى أَشْرَافِ جُنْدِهِ وَتُبَّاعِهِ. ﴿فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ يَقُولُ : فَكَذَّبَ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ مُوسَى، وَجَحَدُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ، وَأَبَوْا قَبُولَ مَا أَتَاهُمْ بِهِ مُوسَى مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَاتَّبَعَ مَلَأُ فِرْعَوْنَ أَمْرَهُ دُونَ أَمْرِ اللَّهِ، وَأَطَاعُوهُ فِي تَكْذِيبِ مُوسَى وَرَدِّ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ يَعْنِي : أَنَّهُ لاَ يَرْشُدُ أَمْرُ فِرْعَوْنَ مَنْ قَبِلَهُ مِنْهُ، فِي تَكْذِيبِ مُوسَى، إِلَى خَيْرٍ، وَلاَ يَهْدِيهِ إِلَى صَلاَحٍ، بَلْ يُورِدُهُ نَارَ جَهَنَّمَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : يَقْدُمُ فِرْعَوْنَ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُودُهُمْ، فَيَمْضِي بِهِمْ إِلَى النَّارِ حَتَّى يُورِدُهُمُوهَا، وَيَصْلِيهِمْ سَعِيرُهَا. ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ﴾ يَقُولُ : وَبِئْسَ الْوِرْدُ الَّذِي يَرِدُونَهُ.
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.