وَقَوْلُهُ :﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ﴾ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ رَبَّكَ يَا مُحَمَّدُ لاَ يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ فِعْلِ مَا أَرَادَ فِعْلَهُ بِمَنْ عَصَاهُ وَخَالَفَ أَمْرَهُ مِنِ الانْتِقَامِ مِنْهُ، وَلَكِنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ، فَيُمْضِي فِعْلَهُ فِيهِمْ وَفِيمَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ فعَلَهُ وَقَضَاءَهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾.
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضُ الْكُوفِيِّينَ :(وَأَمَّا الَّذِينَ سَعَدُوا) بِفَتْحِ السِّينِ.
وَقَرَأَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ :﴿وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا﴾ بِضَمِّ السِّينِ، بِمَعْنَى : رُزِقُوا السَّعَادَةَ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ الصَّوَابَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ قِيلَ :﴿سُعِدُوا﴾ فِيمَا لَمْ يُسَمِّ فَاعِلُهُ، وَلَمْ يَقُلْ : أُسْعِدُوا، وَأَنْتَ لاَ تَقُولُ فِي الْخَبَرِ فِيمَا سُمِّيَ فَاعِلُهُ سَعَدَهُ اللَّهُ، بَلْ إِنَّمَا تَقُولُ : أَسْعَدَهُ اللَّهُ ؟@