فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرْتَ، فَقَدْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُخْتَلِفُونَ غَيْرَ مَلُومِينَ عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ ؛ إِذْ كَانَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ رَبُّهُمْ، وَأَنْ يَكُونَ الْمُتَمَتِّعُونَ هُمُ الْمَلُومِينَ ؟
قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ بِخِلاَفِ مَا إِلَيْهِ ذَهَبْتَ، وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلاَمِ : وَلاَ يَزَالُ النَّاسُ مُخْتَلِفِينَ بِالْبَاطِلِ مِنْ أَدْيَانِهِمْ وَمِلَلِهِمْ ﴿إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ﴾ فَهَدَاهُ لِلْحَقِّ وَلِعِلْمِهِ، وَعَلَى عِلْمِهِ النَّافِذِ فِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ أَنَّهُ يَكُونُ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالشَّقِيُّ وَالسَّعِيدُ خَلَقَهُمْ، فَمَعْنَى اللاَّمِ فِي قَوْلِهِ :﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ بِمَعْنَى عَلَى كَقَوْلِكَ لِلرَّجُلِ : أَكْرَمْتُكَ عَلَى بِرِّكَ بِي، وَأَكْرَمْتُكَ لِبِرِّكَ بِي.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ لَعِلْمِهِ السَّابِقِ فِيهِمْ أَنَّهُمْ يَسْتَوْجِبُونَ صَلْيَهَا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ، وَخِلاَفِهِمْ أَمْرَهُ.
وَقَوْلُهُ :﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ قَسَمٌ كَقَوْلِ الْقَائِلِ : حَلِفِي لأَزُورَنَّكَ، وَبَدَا لِي لَآتَيَنَّكَ ؛ وَلِذَلِكَ تَلَقَّيْتَ بِلاَّمِ الْيَمِينَ.


الصفحة التالية
Icon