وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَمَعْنَى الْكَلاَمِ أَنَّهُ يَقُولُ : إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَمْ تُذَلِّلْهَا إِثَارَةُ الأَرْضِ وَقَلْبِهَا لِلْحِرَاثَةِ وَلاَ السُّنُوُّ عَلَيْهَا لِلْمَزَارِعِ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ صَحِيحَةٌ مُسَلَّمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿لاَ شِيَةَ فِيهَا﴾.
يَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿لاَ شِيَةَ فِيهَا﴾ لاَ لَوْنَ فِيهَا يُخَالِفُ لَوْنَ جِلْدِهَا. وَأَصْلُهُ مِنْ وَشْيِ الثَّوْبِ، وَهُوَ تَحْسِينُ عُيُوبِهِ الَّتِي تَكُونُ فِيهِ بِضُرُوبٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ أَلْوَانِ سَدَاهُ وَلُحْمَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ : وَشَيْتُ الثَّوْبَ فَأَنَا أَشِيُهُ شِيَةً وَوَشْيًا. وَمِنْهُ قِيلَ لِلسَّاعِي بِالرَّجُلِ إِلَى السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ : وَاشٍ، لِكَذِبَةٍ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَتَحْسِينِهِ كَذِبَهُ بِالأَبَاطِيلِ، يُقَالُ مِنْهُ : وَشَيْتُ بِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وِشَايَةً. وَمِنْهُ قَوْلُ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ :.
تَسْعَى الْوُشَاةُ بجَنَبَيْهَا وَقَوْلُهُمْ | إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ |
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ الْوَشْيَ : الْعَلاَمَةُ. وَذَلِكَ لاَ مَعْنَى لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِذَلِكَ تَحْسِينَ الثَّوْبِ بِالأَعْلاَمِ، لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ أَنَّ الْقَائِلَ : وَشَيْتُ بِفُلاَنٍ إِلَى فُلاَنٍ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُتَوَهَّمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ أَرَادَ : جَعَلْتُ لَهُ عِنْدَهُ عَلاَمَةً.
وَإِنَّمَا قِيلَ. ﴿لاَ شِيَةَ فِيهَا﴾ وَهِيَ مِنْ وَشَيْتُ. لِأَنَّ الْوَاوَ لَمَّا أُسْقِطَتْ مِنْ أَوَّلِهَا أُبْدِلَتْ مَكَانَهَا الْهَاءُ فِي آخِرِهَا، كَمَا قِيلَ. وَزَنْتُهُ زِنَةً، وَوَسَيْتُهُ سِيَةً، وَوَعَدْتُهُ عِدَةً، وَوَدَيْتُهُ دِيَةً.