وَمِنْهُ الْخَبَرُ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : مَا تَعتَيْتُ وَلاَ تَمَنَّيْتُ. يَعْنِي بِقَوْلِهِ مَا تَمَنَّيْتُ : مَا تَخَرَّصْتُ الْبَاطِلَ وَلاَ اخْتَلَقْتُ الْكَذِبَ وَالإِفْكَ.
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ :﴿إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾ مِنْ غَيْرِهِ مِنَ الأَقْوَالِ، قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿وَإِنَّ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ﴾ فَأَخْبَرَ عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ مَا يَتَمَنَّوْنَ مِنَ الأَكَاذِيبِ ظَنًّا مِنْهُمْ لاَ يَقِينًا. وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَتْلُونَهُ بِمَا يَكُونُوا ظَانِّينَ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ مَعْنَاهُ : يَشْتَهُونَهُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي يَتْلُوهُ إِذَا تَدَبَّرَهُ عَلِمَهُ، وَلاَ يَسْتَحِقُّ الَّذِي يَتْلُو كِتَابًا قَرَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَدَبَّرْهُ بِتَرْكِهِ التَّدْبِيرَ أَنْ يُقَالَ : هُوَ ظَانٌّ لِمَا يَتْلُو إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَاكًّا فِي نَفْسِ مَا يَتْلُوهُ لاَ يَدْرِي أَحَقٌّ هُوَ أَمْ بَاطِلٌ. وَلَمْ يَكُنِ الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا يَتْلُونَ التَّوْرَاةَ عَلَى عَصْرِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْيَهُودِ فِيمَا بَلَغَنَا شَاكِّينَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ الْمُتَمَنِّي الَّذِي هُوَ فِي مَعْنَى الْمُشْتَهِي غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ : هُوَ ظَانٌّ تَمَنِّيهِ، لِأَنَّ التَّمَنِّي مِنَ الْمُتَمَنِّي إِذَا تَمَنَّى مَا قَدْ وَجَدَت عَيْنَهُ فَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ : هُوَ شَاكٌّ فِيمَا هُوَ بِهِ عَالِمٌ ؛ لِأَنَّ الْعِلْمَ وَالشَّكَّ مَعْنَيَانِ يَنْفِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ لاَ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا فِي جزٍء وَاحِدٍ، وَالْمُتَمَنِّي فِي حَالِ تَمَنِّيهِ مَوْجُودٌ تمنيه فغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ : هُوَ يَظُنُّ تَمَنِّيهِ. وَإِنَّمَا قِيلَ :﴿لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ﴾@


الصفحة التالية
Icon