فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ مِنَ الْحُرُوفِ الْمُبْدَلَةِ، كَقَوْلِهِمْ : وَقَعُوا فِي عَاثُورِ شَرٍّ وَعَافُورِ شَرٍّ، وَكَقَوْلِهِمْ لِلأَثَافِي أَثَاثِي، وَلِلْمَغَافِيرِ مَغَاثِيرُ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا تُقْلَبُ فيه الثَّاءُ فَاءً وَالْفَاءُ ثَاءً لِتَقَارُبِ مَخْرَجِ الْفَاءِ مِنْ مَخْرَجِ الثَّاءِ. وَالْمَغَافِيرُ شَبِيهٌ بِالسمغه والْعَسَلِ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ يَقَعُ عَلَى الشَّجَرِ وَغيرهَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾.
يَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾ قَالَ لَهُمْ مُوسَى : أَتَأْخُذُونَ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ خَطَرًا وَقِيمَةً وَقَدْرًا مِنَ الْعَيْشِ، بَدَلاً بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ خَطَرًا وَقِيمَةً وَقَدْرًا. وَذَلِكَ كَانَ اسْتِبْدَالَهُمْ.
وَأَصْلُ الاِسْتِبْدَالِ : هُوَ تَرْكُ شَيْءٍ لِآخَرَ غَيْرِهِ مَكَانَ الْمَتْرُوكِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ :﴿أَدْنَى﴾ أَخَسُّ وَأَوْضَعُ وَأَصْغَرُ قَدْرًا وَخَطَرًا، وَأَصْلُهُ مِنْ قَوْلِهِمْ : هَذَا رَجُلٌ دَنِيٌّ بَيِّنُ الدَّنَاءَةِ، وَإِنَّهُ لَيُدْنِي فِي الأُمُورِ بِغَيْرِ هَمْزٍ إِذَا كَانَ يَتَتَبَّعُ خَسِائسَهَا. وَقَدْ ذُكِرَ الْهَمْزُ عَنْ بَعْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْهُمْ، يَقُولُونَ : مَا كُنْتَ دَنِيًّا وَلَقَدْ دَنَأْتَ. وَأَنْشَدَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ غَيْرِهِ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ بَنِي كِلاَبٍ يُنْشِدُ بَيْتَ الأَعْشَى :.
بَاسِلَةُ الْوَقْعِ سَرَابِيلُهَا … بِيضٌ إِلَى دَانِئِهَا الظَّاهِرِ@