فَلَمَّا أَبْطَأَ عَلَى سَلْمَانَ، خَرَجَ سَلْمَانُ حَتَّى أَتَاهُمْ، فَنَزَلَ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ رَبُّ الْبَيْعَةِ، وَكَانَ أَهْلُ تِلْكَ الْبَيْعَةِ أَفْضَلِ مرتبه مِنْ الرُّهْبَانِ، فَكَانَ سَلْمَانُ : مَعَهُ يَجْتَهِدُ فِي الْعِبَادَةِ، وَيُتْعِبُ نَفْسَهُ، فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ : إِنَّكَ غُلاَمٌ حَدَثٌ تَكَلَّفُ مِنَ الْعِبَادَةِ مَا لاَ تُطِيقُ، وَأَنَا خَائِفٌ أَنْ تَفْتُرَ وَتَعْجِزَ، فَارْفُقْ بِنَفْسِكَ وَخَفِّفْ عَنهَا. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : أَرَأَيْتَ الَّذِيَ تَأْمُرُنِي بِهِ أَهُوَ أَفْضَلُ، أَوِ الَّذِي أَصْنَعُ ؟ قَالَ : لا بَلِ الَّذِي تَصْنَعُ ؟ قَالَ : فَخَلِّ عَنِّي. ثُمَّ إِنَّ صَاحِبَ الْبَيْعَةِ دَعَاهُ فَقَالَ : أَتَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْعَةَ لِي، وَأَنَا أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا، وَلَوْ شِئْتُ أَنْ أُخْرِجَ هَؤُلاَءِ مِنْهَا لَفَعَلْتُ ؟ وَلَكِنِّي رَجُلٌ أَضْعَفُ عَنْ عِبَادَةِ هَؤُلاَءِ، وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَحَوَّلَ مِنْ هَذِهِ الْبَيْعَةِ إِلَى بَيْعَةٍ أُخْرَى هُمْ أَهْوَنُ عِبَادَةً مِنْ هَؤُلاَءِ، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيمَ هَهُنَا فَأَقِمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَنْطَلِقَ مَعِي فَانْطَلِقْ. قَالَ لَهُ سَلْمَانُ : أَيُّ الْبَيْعَتَيْنِ أَفْضَلُ أَهْلاً ؟ قَالَ : هَذِهِ. قَالَ سَلْمَانُ : فَأَنَا أَكُونُ فِي هَذِهِ. فَأَقَامَ سَلْمَانُ بِهَا وَأَوْصَى صَاحِبَ الْبَيْعَةِ عَالِمَ الْبَيْعَةِ بِسَلْمَانَ، فَكَانَ سَلْمَانُ يَتَعَبَّدُ مَعَهُمْ. ثُمَّ إِنَّ الشَّيْخَ الْعَالِمَ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فدعا سَلْمَانَ فَقَالَ: إِنْى أَرَدْتَ أَنْ تَنْطَلِقَ مَعِي فَانْطَلِقْ، فإِنْ شِئْتَ أَنْ تُقِيمَ فَأَقِمْ. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : أَيُّهُمَا أَفْضَلُ أَنْطَلِقُ مَعَكَ أَو أُقِيمُ ؟ قَالَ : لاَ بَلْ تَنْطَلِقُ مَعِي.