المجلد الثاني.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾.
يَعْنِي جل ثنؤه بِقَوْلِهِ :﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ وَإِذْ اسْتَسْقَانَا مُوسَى لِقَوْمِهِ : أَيْ سَأَلَنَا نَسْقِيَ قَوْمَهُ مَاءً. فَتَرَكَ ذِكْرَ الْمَسْئُولِ ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الَّذِي سَأَلَ مُوسَى، إِذْ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ مِنَ الْكَلاَمِ الظَّاهِرِ دَلاَلَةٌ عَلَى مَعْنَى مَا تُرِكَ وحذف.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ مِمَّا اسْتَغْنَى بِدَلاَلَةِ الظَّاهِرِ عَلَى الْمَتْرُوكِ مِنْهُ. وَذَلِكَ أَنَّ مَعْنَى الْكَلاَمِ، فَقُلْنَا : اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ، فَضَرَبَهُ فَانْفَجَرَتْ. فَتَرَكَ ذِكْرَ الْخَبَرِ عَنْ ضَرْبِ مُوسَى الْحَجَرَ، إِذْ كَانَ فِيمَا ذُكِرَ دَلاَلَةٌ عَلَى الْمُرَادِ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ :﴿قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ﴾ إِنَّمَا مَعْنَاهُ : قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مِنْهُمْ مَشْرَبَهُمْ، فَتَرَكَ ذِكْرَ مِنْهُمْ لِدَلاَلَةِ الْكَلاَمِ عَلَيْهِ.
وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ النَّاسَ جَمْعٌ لاَ وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ، وَأَنَّ الإِنْسَانَ لَوْ جُمِعَ عَلَى لَفْظِهِ لَقِيلَ : أَنَاسِيُّن وَأَنَاسِيَّةُ.