يَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ﴾ وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ، كَقَوْلِكَ : قَدْ عَلِمْتُ أَخَاكَ وَلَمْ أَكُنْ أَعْلَمُهُ، يَعْنِي عَرَفْتُهُ وَلَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ يَعْنِي : لاَ تَعْرِفُونَهُمُ اللَّهُ يَعْرِفُهُمْ.
وَقَوْلُهُ :﴿الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾ أَيِ الَّذِينَ تَجَاوَزُوا حَدِّي وَرَكِبُوا مَا نَهَيْتُهُمْ عَنْهُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ وَعَصَوْا أَمْرِي.
وَقَدْ دَلَّلْتُ فِيمَا مَضَى عَلَى أَنَّ الاِعْتِدَاءَ أَصْلُهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَالَ : وَهَذِهِ الآيَةُ وَآيَاتٌ بَعْدَهَا تَتْلُوهَا، مِمَّا عَدَّدَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِيهَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ كَانُوا بَيْنَ خِلاَلِ دُورِ الأَنْصَارِ زَمَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ ابْتَدَأَ بِذِكْرِهِمْ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ نَكْثِ أَسْلاَفِهِمْ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ مَا كَانُوا يُبْرِمُونَ مِنَ الْعُقُودِ، وَحَذَّرَ الْمُخَاطَبِينِ بِهَا أَنْ يَحِلَّ بِهِمْ بِإِصْرَارِهِمْ عَلَى كُفْرِهِمْ وَمَقَامِهِمْ عَلَى جُحُودِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَرْكِهِمُ اتِّبَاعَهُ وَالتَّصْدِيقَ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ مِثْلَ الَّذِي حَلَّ بِأَوَائِلِهِمْ مِنَ الْمَسْخِ وَالرَّجْفِ وَالصَّعْقِ، وَمَا لاَ قِبَلَ لَهُمْ بِهِ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ وَسَخَطِهِ.
١١٤٥- كَالَّذِي حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ :﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ﴾، يَقُولُ : وَلَقَدْ عَرَفْتُمْ، وَهَذَا تَحْذِيرٌ لَهُمْ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، يَقُولُ : احْذَرُوا أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَ أَصْحَابَ السَّبْتِ إِذْ عَصَوْنِي، ﴿اعْتَدَوْا﴾ يَقُولُ : اجْتَرَءُوا فِي السَّبْتِ.


الصفحة التالية
Icon