وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ كَانَ جَعَلَ لِكُلِّ سِبْطٍ مِنَ الأَسْبَاطِ الاِثْنَيْ عَشَرَ عَيْنًا مِنَ الْحَجَرِ الَّذِي وَصَفَ صِفَتَهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ يَشْرَبُ مِنْهَا دُونَ سَائِرِ الأَسْبَاطِ غَيْرِهِ لاَ يَدْخُلُ سِبْطٌ مِنْهُمْ فِي شُرْبِ سِبْطٍ غَيْرِهِ. وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ لِكُلِّ عَيْنٍ مِنْ تِلْكَ الْعُيُونِ الاِثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَوْضِعٌ مِنَ الْحَجَرِ قَدْ عَرَفَهُ السِّبْطُ الَّذِي مِنْهُ شِرْبُهُ ؛ فَلِذَلِكَ خَصَّ جَلَّ ثَنَاؤُهُ هَؤُلاَءِ بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّ كُلَّ أُنَاسٍ مِنْهُمْ كَانُوا عَالِمِينَ بِمَشْرَبِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ، إِذْ كَانَ غَيْرُهُمْ فِي الْمَاءِ الَّذِي لاَ يَمْلِكُهُ أَحَدٌ شُرَكَاءَ فِي مَنَابِعِهِ وَمَسَايِلِهِ، وَكَانَ كُلُّ سِبْطٍ مِنْ هَؤُلاَءِ كان منُفْرَدًا بِشُرْبِ مَنْبَعٍ مِنْ مَنَابِعِ الْحَجَرِ دُونَ سَائِرِ مَنَابِعِهِ خَاصٍّ لَهُمْ دُونَ سَائِرِ الأَسْبَاطِ غَيْرِهِمْ فَلِذَلِكَ خُصُّوا بِالْخَبَرِ عَنْهُمْ أَنَّ كُلَّ أُنَاسٍ مِنْهُمْ قَدْ عَلِمُوا مَشْرَبَهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ﴾.
وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا اسْتَغْنَى بِذِكْرِ مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْهُ عَنْ ذِكْرِهِ مَا تَرَكَ ذِكْرَهُ. وَذَلِكَ أَنَّ تَأْوِيلَ الْكَلاَمِ :﴿فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ﴾ فَضَرَبَهُ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ منهم مَشْرَبَهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ : كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِأَكْلِ مَا رَزَقَهُمْ فِي التِّيهِ مِنَ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَبِشُرْبِ مَا فَجَّرَ لَهُمْ مِنَ الْمَاءِ مِنَ الْحَجَرِ الْمُتَعَاوِرِ الَّذِي لاَ قَرَارِ لَهُ فِي الأَرْضِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَيْهِ لماء ولكنه، يَتَدَفَّقُ بِعُيُونِ الْمَاءِ وَيَزْخَرُ بِيَنَابِيعِ الْعَذْبِ الْفُرَاتِ بِقُدْرَةِ ذِي الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ.