يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ :﴿وَاخْتِلاَفُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ وَتَعَاقُبِ اللَّيْلِ، وَالنَّهَارِ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ. وَإِنَّمَا الاِخْتِلاَفُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الاِفْتِعَالُ مِنْ خُلُوفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الآخَرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ، وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شَكُورًا﴾ بِمَعْنَى : أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَخْلُفُ مَكَانَ صَاحِبِهِ إِذَا ذَهَبَ اللَّيْلُ جَاءَ النَّهَارُ بَعْدَهُ، وَإِذَا ذَهَبَ النَّهَارُ جَاءَ اللَّيْلُ خلافَهُ ؛ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ : خَلَفَ فُلاَنٌ فُلاَنًا فِي أَهْلِهِ بِسُوءٍ، وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ :.

بِهَا الْعِينُ وَالآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً وَأَطْلاَؤُهَا يَنْهَضْنَ مِنْ كُلِّ مَجْثَمِ
وَأَمَّا اللَّيْلُ فَإِنَّهُ جَمْعُ لَيْلَةٍ، نَظِيرُ التَّمْرِ الَّذِي هُوَ جَمْعُ تَمْرَةٍ، وَقَدْ يُجْمَعُ لَيَالٍ فَيَزِيدُونَ فِي جَمْعِهَا مَا لَمْ يَكُنْ فِي وَاحِدَتِهَا. وَزِيَادِتُهُمُ الْيَاءُ فِي ذَلِكَ نَظِيرُ زِيَادِتُهُمُ إِيَّاهَا فِي رُبَاعِيَّةٍ وَثَمَانِيَةٍ وَكَرَاهِيَةٍ.
وَأَمَّا النَّهَارُ فَإِنَّ الْعَرَبَ لاَ تَكَادُ تَجْمَعُهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الضَّوْءِ، وَقَدْ سُمِعَ فِيَ جَمْعِهِ النُّهُرُ قَالَ الشَّاعِرُ :.
لَوْلاَ الثَّرِيدَانِ هَلَكْنَا بِالضُّمُرْ ثَرِيدُ لَيْلٍ وَثَرِيدٌ بِالنُّهُرْ
وَلَوْ قِيلَ فِي جَمْعِ قَلِيلِهِ أَنْهِرَةٌ كَانَ قِيَاسًا.


الصفحة التالية
Icon