فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، وَكَانَتِ الأَمَةُ مُخْتَلِفَةً فِي التَّرَاجُعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ دِيَةِ الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا مِنْ قَوْلِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ وَكَانَ وَاضِحًا فَسَادُ قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالْقِصَاصِ فِي ذَلِكَ وَالتَّرَاجُعِ بِفَضْلِ مَا بَيْنَ الدِّيَتَيْنِ بِإِجْمَاعِ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ عَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُتْلِفَ مِنْ جَسَدِهِ عُضْوًا بِعُوضٍ يَأْخُذُهُ عَلَى إِتْلاَفِهِ فَدَعْ ما جَمِيعَهُ، وَعَلَى أَنَّ حَرَامًا عَلَى غَيْرِهِ إِتْلاَفُ شَيْءٍ مِنْهُ مِثْلِ الَّذِي حُرِّمَ مِنْ ذَلِكَ بِعُوضٍ يُعْطِيهُ عَلَيْهِ، فَالْوَاجِبُ أَنْ تَكُونَ نَفْسُ الرَّجُلِ الْحُرِّ بِنَفْسِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ قَوَدًا.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيَّنَّا بِذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى﴾ أَنْ لاَ يُقَادَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ، وَلاَ ألا تُقْتَلُ الأُنْثَى بِالذَّكَرِ، وَلاَ الذَّكَرُ بِالأُنْثَى.
وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ بَيِّنًا على ما ذكرناه أَنَّ الآيَةَ مَعْنِيُّ بِهَا أَحَدُ الْمَعْنَيَيْنِ الآخَرِينَ : إِمَّا ما قَلُنَا مِنْ أَنْ لاَ يَتَعَدَّى بِالْقِصَاصِ إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ وَالْجَانِي، فَيُؤْخَذُ بِالأُنْثَى الذَّكَرُ، وَبِالْعَبْدِ الْحُرُّ. وَإِمَّا الْقَوْلُ الآخَرُ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الآيَةُ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ خَاصَّةً أَمْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْعَلَ دِيَاتِ قَتْلاَهُمْ قِصَاصًا بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، كَمَا قَالَهُ السُّدِّيُّ وَمَنْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ.
وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنَّ الْمُقَاصَّةَ فِي الْحُقُوقِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَقْضِ فِي ذَلِكَ قَضَاءً ثُمَّ نَسَخَهُ، @