فَأَمَّا مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿لَآيَاتٍ﴾ فَإِنَّهُ عَلاَمَاتٌ وَدَلاَلاَتٌ عَلَى أَنَّ خَالِقَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَمُنْشِئَهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ لِمَنْ عَقَلَ مَوَاضِعَ الْحُجَجِ وَفَهِمَ عَنِ اللَّهِ أَدِلَّتَهُ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ.
فَأَعْلَمَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عِبَادَهُ بِأَنَّ الأَدِلَّةَ، وَالْحُجَجَ إِنَّمَا وُضِعَتْ مُعْتَبَرًا لِذَوِي الْعُقُولِ وَالتَّمْيِيزِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ، إِذْ كَانُوا هُمُ الْمَخْصُوصِينَ بِالأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَالْمُكَلَّفِينَ بِالطَّاعَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَلَهُمُ الثَّوَابُ وَعَلَيْهِمُ الْعِقَابُ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَكَيْفَ احْتُجَّ عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِقَوْلِهِ :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ الآيَةَ فِي تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ أَصْنَافًا مِنْ أَصْنَافِ الْكَفَر تَدْفَعُ أَنْ تَكُونَ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَسَائِرُ مَا ذَكَرَ فِي هَذِهِ الآيَةِ مَخْلُوقَةً ؟
قِيلَ : إِنَّ إِنْكَارَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ دَافِعٍ أَنْ يَكُونَ جَمِيعُ مَا ذَكَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ فِي هَذِهِ الآيَةِ دَلِيلاً عَلَى خَالِقِهِ وَصَانِعِهِ، وَأَنَّ لَهُ مُدَبِّرًا لاَ يُشْبِهُهُ شَيْءٌ، وَبَارِئًا لاَ مِثْلَ لَهُ. وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا حَاجَّ بِذَلِكَ قَوْمًا كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ اللَّهَ خَالِقُهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ يُشْرِكُونَ فِي عِبَادَتِهِ عِبَادَةَ الأَصْنَامِ وَالأَوْثَانِ ؛ فَحَاجَّهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ فَقَالَ إِذْ أَنْكَرُوا قَوْلَهُ :﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ وَزَعَمُوا أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ مِنَ الآلِهَةِ : إِنَّ إِلَهَكُمُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ، وَأَجْرَى فِيهَا الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَكُمْ بِأَرْزَاقِكُمْ دَائِبَيْنِ فِي سَيْرِهِمَا، وَذَلِكَ هُوَ مَعْنَى اخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَحملكم فِي البر وَالْبحرِ، @


الصفحة التالية
Icon