وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ عِنْدِي فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْمُتَّبَعِينَ عَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ حِينَ يُعَايِنُونَ عَذَابَ اللَّهِ وَلَمْ يُخَصِّصْ بِذَلِكَ مِنْهُمْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، بَلْ عَمَّ جَمِيعَهُمْ، فَدَاخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَتْبُوعٍ عَلَى الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالضَّلاَلِ أَنَّهُ يَتَبَرَّأُ مِنْ أَتْبَاعِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَتَّبِعُونَهُ عَلَى الضَّلاَلِ فِي الدُّنْيَا إِذَا عَايَنُوا عَذَابَ اللَّهِ فِي الآخِرَةِ.
وَأَمَّا دَلاَلَةُ الآيَةِ فِيمَنْ عَنَى بِقَوْلِهِ :﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ فَإِنَّهَا إِنَّمَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأَنْدَادَ الَّذِينَ اتَّخَذَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ وَصَفَ تَعَالَى ذِكْرُهُ صِفَتَهُ بِقَوْلِهِ :﴿وَمَنِ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ هُمُ الَّذِينَ يَتَبَرَّءُونَ مِنْ أَتْبَاعِهِمْ.
وَإِذَا كَانَتِ الآيَةُ عَلَى ذَلِكَ دَالَّةً صَحَّ التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ :﴿وَمَنِ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا﴾ أَنَّ الأَنْدَادَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنَّمَا أُرِيدَ بِهَا الأَنْدَادُ مِنَ الرِّجَالِ الَّذِينَ يُطِيعُونَهُمْ فِيمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ أَمْرٍ، وَيَعْصَوْنَ اللَّهَ فِي طَاعَتِهِمْ إِيَّاهُمْ، كَمَا يُطِيعُ اللَّهُ الْمُؤْمِنُونَ وَيَعْصَوْنَ غَيْرَهُ، وَفَسَدَ تَأْوِيلُ قَوْلِ مَنْ قَالَ :﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾ إِنَّهُمُ الشَّيَاطِينُ تَبَرَّءُوا مِنْ أَوْلِيَائِهِمْ مِنَ الإِنْسِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الآيَةَ إِنَّمَا هِيَ فِي سِيَاقِ الْخَبَرِ عَنْ مُتَّخِذِي الأَنْدَادِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ﴾.
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا وَإِذْ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ.