وَمَعْنَى قَوْلِهِ :﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ﴾ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ الْمَيْتَةَ :
وَإِنَّمَا : حَرْفٌ وَاحِدٌ، وَلِذَلِكَ نُصِبَتِ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ، وَغَيْرُ جَائِزٍ فِي الْمَيْتَةِ إِذَا جُعِلَتْ إِنَّمَا حَرْفًا وَاحِدًا إِلاَّ النَّصْبَ، وَلَوْ كَانَتْ إِنَّمَا حَرْفَيْنِ فكَانَتْ ما مُنْفَصِلَةً مِنْ إِنَّ لَكَانَتِ الْمَيْتَةُ مَرْفُوعَةً وَمَا بَعْدَهَا، وَكَانَ تَأْوِيلُ الْكَلاَمِ حِينَئِذٍ : إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَطَاعِمِ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ لاَ غَيْرَ ذَلِكَ.
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ بَعْضِ الْقُرَّاءِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ. وَلَسْتُ لِلْقِرَاءَةِ بِهِ مُسْتَجِيزًا، وَإِنْ كَانَ لَهُ فِي التَّأْوِيلِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ، لاِتِّفَاقِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَى خِلاَفِهِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ لِأَحَدٍ الاِعْتِرَاضُ عَلَيْهِمْ فِيمَا نَقَلُوهُ مُجْمِعِينَ عَلَيْهِ، وَلَوْ قُرِئَ حُرِّمَ بِضَمِّ الْحَاءِ مِنْ حَرَّمَ لَكَانَ فِي الْمَيْتَةِ وَجْهَانِ مِنَ الرَّفْعِ : أَحَدُهُمَا مِنْ أَنِّ الْفَاعِلَ غَيْرُ مُسَمًّى، و إِنَّمَا حَرْفٌ وَاحِدٌ.
وَالآخَرُ إِنَّ وَ مَا فِي مَعْنَى حَرْفَيْنٍ، وَ حَرَّمَ مِنْ صِلَةِ مَا، وَالْمَيْتَةُ خَبَرُ الَّذِي مَرْفُوعٌ عَلَى الْخَبَرِ وَلَسْتُ وَإِنْ كَانَ لِذَلِكَ أَيْضًا وَجْهٌ مُسْتَجِيزًا لِلْقِرَاءَةِ بِهِ لِمَا ذَكَرْتُ.
وَأَمَّا الْمَيْتَةُ فَإِنَّ الْقُرَّاءَ مُخْتَلِفَةٌ فِي قِرَاءَتِهَا، فَقَرَأَهَا بَعْضُهُمْ بِالتَّخْفِيفِ، وَمَعْنَاهُ فِيهَا التَّشْدِيدُ، وَلَكِنَّهُ يُخَفِّفُهَا كَمَا يُخَفِّفُ الْقَائِلُونَ : هُوَ هَيْنٌ لَيْنٌ، الْهَيْنُ اللَّيْنُ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :.
لَيْسَ مَنْ مَاتَ فَاسْتَرَاحَ بِمَيْتٍ | إِنَّمَا الْمَيْتُ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ@ |