فَقَالَ : هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ هَؤُلاَءِ الأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ بِكِتْمَانِهِمُ النَّاسَ مَا كَتَمُوا مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُبُوَّتِهِ مَعَ عِلْمِهِمْ بِهِ طَلَبًا مِنْهُمْ لِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا خَسِيسٍ، وَبِخَلاَفِهِمْ أَمْرِي وَطَاعَتِي وَذَلِكَ مِنْ تَرْكِي تَطْهِيرَهُمْ وَتَزْكِيَتَهُمْ وَتَكْلِيمَهُمْ، وَإِعْدَادِي لَهُمُ الْعَذَابَ الأَلِيمَ بِأَنِّي أَنْزَلْتُ كِتَابِي بِالْحَقِّ فَكَفَرُوا بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ.
فَيَكُونُ فِي ذَلِكَ حِينَئِذٍ وَجْهَانِ مِنَ الإِعْرَابِ : رَفْعٌ وَنَصْبٌ، وَالرَّفْعُ بِالْبَاءَ، وَالنُّصْبُ بِمَعْنَى : فَعَلْتُ ذَلِكَ بِأَنِّي أَنْزَلْتُ كِتَابِي بِالْحَقِّ فَكَفَرُوا بِهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَتَرَكَ ذِكْرَ : فَكَفَرُوا بِهِ وَاخْتَلَفُوا اجْتِزَاءً بِدَلاَلَةِ مَا ذَكَرَ مِنَ الْكَلاَمِ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ الْيَهُودَ، وَالنَّصَارَى، اخْتَلَفُوا فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ فَكَفَرَتِ الْيَهُودُ بِمَا قَصَّ اللَّهُ فِيهِ مِنْ قَصَصِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَأُمِّهِ، وَصَدَّقَتِ النَّصَارَى بِبَعْضِ ذَلِكَ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِ، وَكَفَرُوا جَمِيعًا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ مِنَ الأَمْرِ بِتَصْدِيقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيمَا أَنْزَلْتُ عليكَ يَا مُحَمَّدُ لَفِي مُنَازَعَةٍ وَمُفَارَقَةٍ لِلْحَقِّ بَعِيدَةٍ مِنَ الرُّشْدِ وَالصَّوَابِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ :﴿فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾.
٢٥٢٤- كَمَا حَدَّثَنِي مُوسَى، قَالَ : حَدَّثَنَا عَمْرٌو، قَالَ : حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنِ السُّدِّيِّ :﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾ يَقُولُ هُمُ الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى. يَقُولُ : هُمْ فِي عَدَاوَةٍ بَعِيدَةٍ.
وَقَدْ بَيَّنْتُ مَعْنَى الشِّقَاقِ فِيمَا مَضَى.