وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ فَهُوَ الإِصْلاَحُ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ فِيمَا لاَ مَأْثَمَ فِيهِ، وَفِيمَا يُحِبُّهُ اللَّهُ دُونَ مَا يَكْرُهُهُ.
وَأَمَّا الَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ السُّدِّيِّ مِنْ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزُولِ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ، فَقَوْلٌ لاَ دَلاَلَةَ عَلَيْهِ مِنْ كِتَابٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَالْخَبَرُ عَمَّا كَانَ لاَ تُدْرِكُ صِحَّتَهُ إِلاَّ بِخَبَرٍ صَادِقٍ، وَإِلاَّ كَانَ دَعْوَى لاَ يَتَعَذَّرُ مِثْلُهَا وَخِلاَفُهَا عَلَى أَحَدٍ. وَغَيْرُ مُحَالٍ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الآيَةُ نَزَلَتْ بَعْدَ بَيَانِ كَفَّارَاتِ الأَيْمَانِ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَاكْتُفِي بِذِكْرِهَا هُنَاكَ عَنْ إِعَادَتِهَا هَاهُنَا، إِذْ كَانَ الْمُخَاطَبُونَ بِهَذِهِ الآيَةِ قَدْ عَلِمُوا الْوَاجِبَ مِنَ الْكَفَّارَاتِ فِي الأَيْمَانِ الَّتِي يَحْنَثُ فِيهَا الْحَالِفُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَاللَّهُ سُمَيْعٌ عَلِيمٌ﴾.
يَعْنِي تَعَالَى ذِكْرُهُ بِذَلِكَ : وَاللَّهُ سُمَيْعٌ لِمَا يَقُولُهُ الْحَالِفُ مِنْكُمْ بِاللَّهِ إِذَا حَلَفَ، فَقَالَ : وَاللَّهُ لاَ أَبَرُّ، وَلاَ أَتَّقِي، وَلاَ أُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ قِيلِكُمْ وَأَيْمَانِكُمْ عَلِيمٌ بِمَا تَقْصُدُونَ وَتَبْتَغُونَ بِحَلِفِكُمْ ذَلِكَ الْخَيْرَ تُرِيدُونَ أَمْ غَيْرَهُ، لِأَنِّي عَلاَّمُ الْغُيُوبِ وَمَا تُضْمِرُهُ الصُّدُورُ، لاَ تَخْفَى عَلَيَّ خَافِيَةٌ، وَلاَ يَنْكَتِمُ عَنِّي أَمْرٌ عُلِنَ فَظَهَرَ أَوْ خَفِيَ فَبَطَنَ.
وَهَذَا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ تَهَدُّدٌ وَوَعِيدٌ. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاتَّقَونِ أَيُّهَا النَّاسُ أَنْ تُظْهِرُوا بِأَلْسِنَتِكُمْ مِنَ الْقَوْلِ، أَوْ بِأَبْدَانِكُمْ مِنَ الْفِعْلِ، مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، أَوْ تُضْمِرُوا فِي أَنْفُسِكُمْ، وَتَعْزِمُوا بِقُلُوبِكُمْ مِنَ الإِرَادَاتِ وَالنِّيَّاتِ فِعْلَ مَا زَجَرْتُكُمْ عَنْهُ، فَتَسْتَحِقُّوا بِذَلِكَ مِنِّي الْعُقُوبَةَ الَّتِي قَدْ عَرَّفْتُكُمُوهَا، فَإِنِّي مُطَّلِعٌ عَلَى جَمِيعِ مَا تُعْلِنُونَهُ أَوْ تُسِرُّونَهُ.