فَتَأْوِيلُ الْكَلاَمِ إِذًا : لاَ تَجْعَلُوا اللَّهً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ قوةً لِأَيْمَانِكُمْ، وَحُجَّةً لِأَنْفُسِكُمْ فِي أَقْسَامِكُمْ فِي أَنْ لاَ تَبَرُّوا، وَلاَ تَتَّقُوا، وَلاَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا لَغَتْهُ أَلْسِنَتُكُمْ مِنْ أَيْمَانِكُمْ، فَنَطَقَتْ بِهِ مِنْ قَبِيحِ الأَيْمَانِ وَذَمِيمِهَا، عَلَى غَيْرِ تَعَمُّدِكُمُ الإِثْمَ وَقَصْدِكُمْ بِعَزَائِمِ صُدُورِكُمْ إِلَى إِيجَابِ عَقْدِ الأَيْمَانِ الَّتِي حَلَفْتُمْ بِهَا، وَلَكِنَّهُ إِنَّمَا يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا تَعَمَّدْتُمْ فِيهِ عَقْدَ الْيَمِينِ وَإِيجَابِهَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَعَزَمْتُمْ عَلَى الإِتْمَامِ عَلَى مَا حَلَفْتُمْ عَلَيْهِ بِقَصْدٍ مِنْكُمْ وَإِرَادَةٍ، فَيَلْزَمُكُمْ حِينَئِذٍ إِمَّا كَفَّارَةٌ فِي الْعَاجِلِ، وَإِمَّا عُقُوبَةٌ فِي الآجِلِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾.
اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي أَوْعَدَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ :﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ عِبَادَهُ أَنَّهُ مُؤَاخِذُهُمْ بِهِ بَعْدَ إِجْمَاعِ جَمِيعِهِمْ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ مَا تَعَمَّدَتْ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ : الْمَعْنَى الَّذِي أَوْعَدَ اللَّهُ عِبَادَهُ مُؤَاخَذَتَهُمْ بِهِ هُوَ حَلِفُ الْحَالِفِ مِنْهُمْ عَلَى كَذِبٍ، وَبَاطِلٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
٤٤٩٤- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ : إِذَا حَلَفَ الرَّجُلَ عَلَى الْيَمِينِ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ صَادِقٌ وَهُوَ كَاذِبٌ، فَلاَ يُؤَاخَذُ بِهَا، وَإِذَا حَلَفَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ، فَذَاكَ الَّذِي يُؤَاخَذُ بِهِ.