إِنَّمَا هُوَ خِطَابٌ لِأَهْلِ الْحُقُوقِ وَالْمَكْتُوبِ بَيْنَهُمُ الْكِتَابُ وَالْمَشْهُودِ لَهُمْ أَوْ عَلَيْهِمْ بِالَّذِي تَدَايَنُوهُ بَيْنَهُمْ مِنَ الدُّيُونِ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ فِيهَا لِغَيْرِهِمْ، فَإِنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الأَمْرِ وَالنَّهْيِ لِلْغَائِبِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِهِ :﴿وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ﴾ وَكَقَوْلِهِ :﴿وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا﴾ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَالْوَاجِبُ إِذَا كَانَ الْمَأْمُورُونَ فِيهَا مَخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ :﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ ان يكون بالرد على قوله (واشهدو اذا تبايعتم ) ولايضاروا كاتبا ولاشهيدا﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ أَشْبَهُ مِنْهُ بِأَنْ يَكُونَ مَرْدُودًا عَلَى الْكَاتِبِ وَالشَّهِيدِ، وَمَعَ ذَلِكَ إِنَّ الْكَاتِبَ وَالشَّهِيدَ لَوْ كَانَا هُمَا الْمَنْهِيَّيْنِ عَنِ الضِّرَارِ لَقِيلَ : وَإِنْ يَفْعَلاَ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِهِمَا، لِأَنَّهُمَا اثْنَانِ، وَإِنَّمَا غَيْرُ مَخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ :﴿وَلاَ يُضَارَّ﴾ بَلِ النَّهْيُ بِقَوْلِهِ :﴿وَلاَ يُضَارَّ﴾ نَهْيٌ لِلْغَائِبِ غَيْرِ الْمُخَاطَبِ، فَتَوْجِيهُ الْكَلاَمِ إِلَى مَا كَانَ نَظِيرًا لِمَا فِي سِيَاقِ الآيَةِ، أَوْلَى مِنْ تَوْجِيهِهِ إِلَى مَا كَانَ مُنْعَدِلاً عَنْهُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ : وَإِنْ تُضَارُّوا الْكَاتِبَ أَوِ الشَّاهِدَ وَمَا نُهِيتُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ، يَعْنِي : إِثْمٌ بِكُمْ وَمَعْصِيَةٌ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
٦٤٧٠- حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، قَالَ : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو زُهَيْرٍ، عَنْ جُوَيْبِرٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ :﴿وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ﴾ يَقُولُ : إِنْ تَفْعَلُوا غَيْرَ الَّذِي آمُرُكُمْ بِهِ، فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ.