وَإِنَّمَا دَعَا الَّذِي قَرَأَ ذَلِكَ :(فَرُهْنٌ مَقْبُوضَةٌ) إِلَى قِرَاءَتِهِ فِيمَا أَظُنُّ كَذَلِكَ مَعَ شُذُوذِهِ فِي جَمْعِ فَعْلٍ، أَنَّهُ وَجَدَ الرِّهَانَ مُسْتَعْمَلَةً فِي رِهَانِ الْخَيْلِ، فَأَحَبَّ صَرْفَ ذَلِكَ عَنِ اللَّفْظِ الْمُلْتَبِسِ بِرِهَانِ الْخَيْلِ، الَّذِي هُوَ بِغَيْرِ مَعْنَى الرِّهَانِ، الَّذِي هُوَ جَمْعُ رَهْنٍ، وَوَجَدَ الرُّهُنَ مَقُولاً فِي جَمْعِ رَهْنٍ، كَمَا قَالَ قَعْنَبٌ :
بَانَتْ سُعَادُ وَأَمْسَى دُونَهَا عَدَنُ... وَغَلِقَتْ عِنْدَهَا مِنْ قَلْبِكَ الرُّهُنُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ : فَإِنْ كَانَ الْمَدِينُ أَمِينًا عِنْدَ رَبِّ الْمَالِ وَالدَّيْنِ فَلَمْ يَرْتَهِنْ مِنْهُ فِي سَفَرِهِ رَهْنًا بِدَيْنِهِ لِأَمَانَتِهِ عِنْدَهُ عَلَى مَالِهِ وَثِقَتِهِ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ الْمَدِينُ رَبَّهُ، يَقُولُ : فَلْيَخَفِ اللَّهَ رَبَّهُ فِي الَّذِي عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِ صَاحِبِهِ أَنْ يَجْحَدَهُ، أَوْ يُلِطَّ دُونَهُ، أَوْ يُحَاوِلَ الذَّهَابَ بِهِ، فَيَتَعَرَّضَ مِنْ عُقُوبَةِ اللَّهِ مَا لاَ قَبَلَ لَهُ بِهِ، وَلْيُؤَدِّ دَيْنَهُ الَّذِي ائْتَمَنَهُ عَلَيْهِ إِلَيْهِ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ قَالَ : هَذَا الْحُكْمَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَاسِخٌ الأَحْكَامَ الَّتِي فِي الآيَةِ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالشُّهُودِ وَالْكِتَابِ، وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَوْلَى ذَلِكَ بِالصَّوَابِ مِنَ الْقَوْلِ فِيهِ فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ