قِيلَ : اخْتَرْنَا ذَلِكَ لِيُؤْذِنَ بِجَزْمِهِ أَنَّ التَّكْفِيرَ أَعْنِي تَكْفِيرَ اللَّهِ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمُصَّدِّقِ لاَ مَحَالَةَ دَاخِلٌ فِيمَا وَعَدَ اللَّهُ الْمُصَّدِّقَ أَنْ يُجَازِيَهُ بِهِ عَلَى صَدَقَتِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إِذَا جُزِمَ مُؤْذِنٌ بِمَا قُلْنَا لاَ مَحَالَةَ، وَلَوْ رُفِعَ كَانَ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دَاخِلاً فِيمَا وَعْدَهُ اللَّهُ أَنْ يُجَازِيَهُ بِهِ، وَأَنْ يَكُونَ خَبَرًا مُسْتَأْنَفًا أَنَّهَ يُكَفِّرُ مِنْ سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى غَيْرِ الْمُجَازَاةِ لَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى صَدَقَاتِهِمْ ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْفَاءِ فِي جَوَابِ الْجَزَاءِ اسْتِئْنَافٌ، فَالْمَعْطُوفُ عَلَى الْخَبَرِ الْمُسْتَأْنَفِ فِي حُكْمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْجَزَاءِ مستانف وَلِذَلِكَ مِنَ الْعِلَّةِ اخْتَرْنَا جَزْمَ (نُكَفِّرْ) عَطْفًا بِهِ عَلَى مَوْضِعِ الْفَاءِ مِنْ قَوْلِهِ :﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ وَقِرَاءَتَهُ بِالنُّونِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا وَجْهُ دُخُولِ مِنْ فِي قَوْلِهِ :﴿وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ ؟
قِيلَ : وَجْهُ دُخُولِهَا فِي ذَلِكَ بِمَعْنَى : ونُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ مَا نَشَاءُ تَكْفِيرَهُ مِنْهَا دُونَ جَمِيعِهَا ؛ لِيَكُونَ الْعِبَادُ عَلَى وَجَلٍ مِنَ اللَّهِ فَلاَ يَتَّكِلُوا عَلَى وَعْدِهِ مَا وَعَدَ عَلَى الصَّدَقَاتِ الَّتِي يُخْفِيهَا الْمُتَصَدِّقُ فَيَجْتَرِئُوا عَلَى حُدُودِهِ وَمَعَاصِيهِ.
وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ : مَعْنَى مِنَ الإِسْقَاطَ مِنْ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَيَتَأَوَّلُ مَعْنَى ذَلِكَ : وَنُكَفِّرُ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ : وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ فِي صَدَقَاتِكُمْ مِنْ إِخْفَائِهَا وَإِعْلاَنَ وَإِسْرَارٍ بِهَا وَإِجْهَارٍ، وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ ﴿خَبِيرٌ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ : ذُو خِبْرَةٍ وَعِلْمٍ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَهُوَ بِجَمِيعِهِ مُحِيطٌ، وَلِكُلِّهِ مُحْصٍ عَلَى أَهْلِهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ ثَوَابَ جَمِيعِهِ وَجَزَاءَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِه@