يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ : وَاحْذَرُوا أَيُّهَا النَّاسُ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ فَتَلْقَوْنَهُ فِيهِ أَنْ تَرِدُوا عَلَيْهِ بِسَيِّئَاتٍ تُهْلِكُكُمْ، أَوْ بِمُخْزِيَاتٍ تُخْزِيكُمْ، أَوْ بِفَضِيحَاتٍ تَفْضَحُكُمْ، فَتَهْتِكَ أَسْتَارَكُمْ، أَوْ بِمُوبِقَاتٍ تُوبِقُكُمْ، فَتُوجِبُ لَكُمْ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ مَا لاَ قِبَلَ لَكُمْ بِهِ، وَإِنَّهُ يَوْمُ مُجَازَاةِ الأَعْمَالِ لاَ يَوْمَ اسْتِعْتَابٍ، وَلاَ يَوْمَ اسْتِقَالَةٍ وَتَوْبَةٍ وَإِنَابَةٍ، وَلَكِنَّهُ يَوْمُ جَزَاءٍ وَثَوَابٍ وَمُحَاسَبَةٍ، تُوَفَّى فِيهِ كُلُّ نَفْسٍ أَجْرَهَا عَلَى مَا قَدَّمَتْ وَاكْتَسَبَتْ مِنْ سَيِّئٍ وَصَالِحٍ، لاَ يُغَادَرُ فِيهِ صَغِيرَةٌ وَلاَ كَبِيرَةٌ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ إِلاَّ أُحْضِرَتْ، فَتُوفَّيت جَزَاءَهَا بِالْعَدْلِ مِنْ رَبِّهَا، وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ، وَكَيْفَ يُظْلَمُ مِنْ جُوزِيَ بِالإِسَاءَةِ مِثْلَهَا وَبِالْحَسَنَةِ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، كَلاَّ بَلْ عَدَلَ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْمُسِيءُ، وَتَكَرَّمَ عَلَيْكَ فَأَفْضَلَ وَأَسْبَغَ أَيُّهَا الْمُحْسِنُ، فَاتَّقَى امْرُؤٌ رَبَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ حِذْرَهُ وَرَاقَبَهُ قبل أَنْ يَهْجِمَ عَلَيْهِ يَوْمَهُ، وَهُوَ مِنَ الأَوْزَارِ ظَهْرُهُ ثَقِيلٌ، وَمِنْ صَالِحَاتِ الأَعْمَالِ خَفِيفٌ، فَإِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَذَّرَ فَأَعْذَرَ، وَوَعَظَ فَأَبْلَغَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللُّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثناؤُهُ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿إِذَا تَدَايَنْتُمْ﴾ يَعْنِي إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِدَيْنٍ أَوِ اشْتَرَيْتُمْ بِهِ، أَوْ تَعَاطَيْتُمْ، أَوْ أَخَذْتُمْ بِهِ ﴿إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ يَقُولُ : إِلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ وَقَّتُّمُوهُ بَيْنَكُمْ وَقَدْ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ الْقَرْضُ وَالسَّلَمُ فِي كُلِّ مَا جَازَ فيه لان، السَّلَمُ شَرًى أُجِّلَ بَنقد يَصِيرُ دَيْنًا عَلَى بَائِعِ مَا أَسْلَمَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ بَيْعُ الْحَاضِرِ الْجَائِزِ بَيْعُهُ مِنَ الأَمْلاَكِ بِالأَثْمَانِ الْمُؤَجَّلَةِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِذَا كَانَتْ آجَالُهَا مَعْلُومَةً بِحَدٍّ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي السَّلَمِ خَاصَّةً.


الصفحة التالية
Icon