المجلد السادس.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَإِذْ غَدَوْتُ مِنْ أَهْلِكِ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾
يَعْنِي جَلَّ ثناؤُهُ بِقَوْلِهِ :﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ كَيَدُ هَؤُلاَءِ الْكُفَّارِ مِنَ الْيَهُودِ شَيْئًا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَنْصُرُكُمْ عَلَيْهِمْ إِنْ صَبَرْتُمْ عَلَى طَاعَتِي، وَاتِّبَاعِ أَمْرِ رَسُولِي، كَمَا نَصَرْتُكُمْ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ، وَإِنْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَمْرِي، وَلَمْ تَصْبِرُوا عَلَى مَا كَلَّفْتُكُمْ مِنْ فَرَائِضِي، وَلَمْ تَتَّقُوا مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، وَخَالَفْتُمْ أَمْرِي، وَأَمْرَ رَسُولِي، فَإِنَّهُ نَازِلٌ بِكُمْ مَا نَزَلَ بِكُمْ بِأُحُدٍ، وَاذْكُرُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ إِذْ غَدَا نَبِيُّكُمْ يُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَتُرِكَ ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ أَمْرِ الْقَوْمِ إِنْ لَمْ يَصْبِرُوا عَلَى أَمْرِ رَبِّهِمْ وَلَمْ يَتَّقُوهُ اكْتِفَاءً بِدَلاَلَةُ مَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلاَمِ عَلَى مَعْنَاهُ، إِذْ ذَكَرَ مَا هُوَ فَاعِلٌ بِهِمْ مِنْ صَرْفِ كَيَدِ أَعْدَائِهِمْ عَنْهُمْ، إِنْ صَبَرُوا عَلَى أَمْرِهِ، وَاتَّقُوا مَحَارِمَهُ، وَتَعْقِيبُهُ ذَلِكَ بِتَذْكِيرِهِمْ مَا حَلَّ بِهِمْ مِنَ الْبَلاَءِ بِأُحُدٍ، إِذْ خَالَفَ بَعْضُهُمْ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَنَازَعُوا الرَّأْيَ بَيْنَهُمْ.
وَأُخْرِجَ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ :﴿وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكِ﴾ عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْمُرَادُ بِمَعْنَاهُ الَّذِينَ نَهَاهُمْ أَنْ يَتَّخِذَ الْكُفَّارَ مِنَ الْيَهُودِ بِطَانَةً مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ بَيَّنَ إِذًا أَنَّ قَوْلَهُ : وَإِذْ إِنَّمَا خبرَّهَا فِي مَعْنَى الْكَلاَمِ عَلَى مَا قَدْ بَيَّنْتُ وَأَوْضَحْتُ.


الصفحة التالية
Icon