يُقَالُ مِنْهُ : بَوَّأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلاً وَبَوَّأْتُهُ لَهُمْ فَأَنَا أُبَوِّئُهُمُ الْمَنْزِلَ تَبْوِئَةً، وَأُبَوِّئُ لَهُمْ مَنْزِلاً تَبْوِئَةً
وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ فِيَ قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَذَلِكَ جَائِزٌ، كَمَا يُقَالُ : رَدِفَكَ وَرَدِفَ لَكَ، ونَقَدْتُ لَهَا صَدَاقَهَا وَنَقَدْتُهَا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ... رَبَّ الْعِبَادِ إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
وَالْكَلامُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَنْبٍ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ سَمَاعًا : أَبَأْتُ الْقَوْمَ مَنْزِلاً فَأَنَا أُبِيئُهُمْ إِبَاءَةً، وَيُقَالُ مِنْهُ : أَبَأْتُ الإِبِلَ : إِذَا رَدَدْتُهَا إِلَى الْمَبَاءَةِ، وَالْمَبَاءَةُ : الْمُرَاحُ الَّذِي تَبِيتُ فِيهِ، وَالْمَقَاعِدُ جَمْعُ مَقْعَدٍ وَهُوَ الْمَجْلِسُ.
فَتَأْوِيلُ الْكَلاَمِ : وَاذْكُرْ إِذْ غَدَوْتَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ أَهْلِكَ تَتَّخِذُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُعَسْكَرًا وَمَوْضِعًا لِقِتَالِ عَدُوِّهِمْ.
وَقَوْلُهُ :﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ تَعَالَى ذِكْرُهُ : وَاللَّهُ سَمِيعٌ لِمَا يَقُولُ الْمُؤْمِنُونَ لَكَ، فِيمَا شَاوَرْتَهُمْ فِيهِ مِنْ مَوْضِعِ لِقَائِكَ وَلِقَائِهِمْ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُمْ مِنْ قَوْلِ مَنْ قَالَ : اخْرُجْ بِنَا إِلَيْهِمْ حَتَّى نَلْقَاهُمْ خَارِجَ الْمَدِينَةِ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَكَ : لاَ تَخْرُجْ إِلَيْهِمْ وَأَقِمْ بِالْمَدِينَةِ حَتَّى يَدْخُلُوهَا عَلَيْنَا، عَلَى مَا قَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ، وَبِمَّا تُشِيرَ بِهِ عَلَيْهِمْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ، عَلِيمٌ بِأَصْلَحِ تِلْكَ الآرَاءِ لَكَ وَلَهُمْ، وَبِمَا تُخْفِيهِ صُدُورُ الْمُشِيرِينَ عَلَيْكَ بِالْخُرُوجِ إِلَى عَدُوِّكَ، وَصُدُورُ الْمُشِيرِينَ عَلَيْكَ بِالْمُقَامِ فِي الْمَدِينَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِكَ وَأُمُورِهِمْ.