﴿يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ﴾ كَذَلِكَ مِنَ اخْتِلاَفِ تَأْوِيلِهِمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ﴿وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا﴾ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي إِمْدَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ بِأُحُدٍ بِمَلاَئِكَتِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ : لَمْ يُمَدُّوا بِهِمْ ؛ لِأَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَصْبِرُوا لِأَعْدَائِهِمْ، وَلَمْ يَتَّقُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِتَرْكِ مَنْ تَرَكَ مِنَ الرُّمَاةِ طَاعَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ثُبُوتِهِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالثُّبُوتِ فِيهِ، وَلَكِنَّهُمْ أَخَلُّوا بِهِ طَلَبًا لِلْغَنَائِمِ، فَقُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْهُمْ مَا نَالُوا، وَإِنَّمَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمْدَادَهُمْ بِهِمْ إِنْ صَبَرُوا وَاتَّقَوُا اللَّهَ
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : كَانَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ بِسَبَبِ كُرْزِ بْنِ جَابِرٍ، فَإِنَّ بَعْضَهُمْ قَالُوا : لَمْ يَأْتِ كُرْزٌ وَأَصْحَابُهُ إِخْوَانَهُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ مَدَدًا لَهُمْ بِبَدْرٍ، وَلَمْ يُمِدَّ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ بِمَلاَئِكَتِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِنَّمَا وَعَدَهُمْ أَنْ يُمِدَّهُمْ بِمَلاَئِكَتِهِ إِنْ أَتَاهُمْ كُرْزٌ وَمَدَدُ الْمُشْرِكِينَ مِنْ فَوْرِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِهِمُ الْمَدَدُ.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ قد كان أَمَدَّ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَلاَئِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ، فَإِنَّهُمُ اعْتَلُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ :﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾.
قَالوَ : فَالأَلْفُ مِنْهُمْ قَدْ أَتَاهُمْ مَدَدًا، وَإِنَّمَا الْوَعْدُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ فِيمَا زَادَ عَلَى الأَلْفِ، فَأَمَّا الأَلْفُ فَقَدْ كَانُوا أُمِدُّوا بِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَانَ قَدْ وَعَدَهُمْ ذَلِكَ، وَلَنْ يَخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ.