وَأَمَّا نَصْبُ الرَّفِيقِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعَرَبِيَّةِ مُخْتَلِفُونَ فِيهِ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْبَصْرَةِ يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ، وَيَقُولُ : هُوَ كَقَوْلِ القائلِ : كَرُمَ زَيْدٌ رَجُلاً، وَيَعْدِلُ بِهِ عَنْ مَعْنَى : نِعْمَ الرَّجُلُ، وَيَقُولُ : إِنَّ نِعْمَ لا تَقَعُ إِلَى عَلَى اسْمٍ فِيهِ أَلِفٌ وَلاَمٌ أَوْ عَلَى نَكِرَةٍ. وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَرَى أَنَّهُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ وَيُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ حَالاً، وَيَسْتَشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ : كَرُمَ زَيْدٌ مِنْ رَجُلٍ، وَحَسُنَ أُولَئِكَ مِنْ رُفَقَاءَ ؛ وَأَنَّ دُخُولَ مِنْ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الرَّفِيقَ مُفَسِّرَةٌ. قَالَ : وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الْعَرَبِ : نَعِمْتُمْ رِجَالا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ : وَحَسُنْتُمْ رُفَقَاءَ. وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِقَائِلِيهِ. وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ لأَنَّ قَوْمًا حَزِنُوا عَلَى فَقْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَذَرًا أَنْ لاَ يَرَوْهُ فِي الآخِرَةِ.
ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ :
٩٩٨٦- حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ الْقُمِّيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي الْمُغِيرَةِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَحْزُونٌ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا فُلاَنُ مَالِي أَرَاكَ مَحْزُونًا ؟ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ شَيْءٌ فَكَّرْتُ فِيهِ. فَقَالَ : مَا هُوَ ؟ قَالَ : نَحْنُ نَغْدُو عَلَيْكَ وَنَرُوحُ، نَنْظُرُ فِي وَجْهِكَ وَنُجَالِسُكَ، غَدًا تُرْفَعُ مَعَ النَّبِيِّينَ فَلاَ نَصِلُ إِلَيْكَ. فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا. فأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِهَذِهِ الآيَةِ :﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا﴾ قَالَ : فَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَشَّرَهُ.