فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَ لَيْسَ بِالطَّاعَةِ وَصَلُوا إِلَى مَا وَصَلُوا إِلَيْهِ مِنْ فَضْلِهِ ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّهُمْ لَمْ يُطِيعُوهُ فِي الدُّنْيَا إِلا بِفَضْلِهِ الَّذِي تَفَضَّلَ بِهِ عَلَيْهِمْ فَهَدَاهُمْ بِهِ لِطَاعَتِهِ، فَكُلُّ ذَلِكَ فَضْلٌ مِنْهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ.
وَقَوْلُهُ :﴿وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا﴾ يَقُولُ : وَحَسْبُ الْعِبَادِ بِاللَّهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ عَلِيمًا بِطَاعَةِ الْمُطِيعِ مِنْهُمْ وَمَعْصِيَةِ الْعَاصِي، فَإِنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّهُ يُحْصِيهِ عَلَيْهِمْ وَيَحْفَظُهُ حَتَّى يُجَازِيَ جَمِيعَهُمْ، َجْزِاء الْمُحْسِنَ مِنْهُمْ بِالإِحْسَانِ، وَالْمُسِيءَ مِنْهُمْ بِالإِسَاءَةِ، وَيَعْفُو عَمَّنْ شَاءَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا﴾
يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ صَدَّقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﴿خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ خُذُوا جُنَّتَكُمْ وَأَسْلِحَتَكُمُ الَّتِي تَتَّقُونَ بِهَا مِنْ عَدُوِّكُمْ لِغَزْوِهِمْ وَحَرْبِهِمْ ﴿فَانْفِرُوا﴾ إِلَيْهِمْ ﴿ثُبَاتٍ﴾ : وَهِيَ جَمْعُ ثُبَةٍ، وَالثُّبَةُ : الْعَصَبَةُ ؛ وَمَعْنَى الْكَلاَمِ : فَانْفِرُوا إِلَى عَدُوِّكُمْ جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ مُتَسَلِّحِينَ، وَمِنَ الثُّبَةِ قَوْلُ زُهَيْرٍ بن أبى سلمى :.
وَقَدْ أَغْدُو عَلَى ثُبَةٍ كِرَامٍ | نَشَاوَى وَاجِدِينَ لِمَا نَشَاءُ |