يَعْنِي : وَنَعِيمُ الآخِرَةِ خَيْرٌ، لِأَنَّهَا بَاقِيَةٌ، وَنَعِيمُهَا بَاقٍ دَائِمٌ. وَإِنَّمَا قِيلَ : وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَمَعْنَى الْكَلاَمِ مَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ مَعْنِيُّ بِهِ نَعِيمُهَا، لِدَلاَلَةِ ذِكْرِ الآخِرَةِ بِالَّذِي ذَكَرْتُ بِهِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ ﴿لِمَنِ اتَّقَى﴾ يَعْنِي : لِمَنِ اتَّقَى اللَّهَ بِأَدَاءِ فَرَائِضِهِ وَاجْتِنَابِ مَعَاصِيهِ، فَأَطَاعَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ. ﴿وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾ يَعْنِي : وَلاَ يَنْقُصُكُمُ اللَّهُ مِنْ أُجُورِ أَعْمَالِكُمْ فَتِيلاً ؛ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْفَتِيلِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هَهُنَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا﴾
يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : حَيْثُمَا تَكُونُوا يَنَلْكُمُ الْمَوْتُ فَتَمُوتُوا، ﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ يَقُولُ : لاَ تَجْزَعُوا مِنَ الْمَوْتِ وَلاَ تَهْرَبُوا مِنَ الْقِتَالِ وَتَضْعُفُوا عَنْ لِقَاءِ عَدُوِّكُمْ حَذَرًا عَلَى أَنْفُسِكُمْ مِنَ الْقَتْلِ وَالْمَوْتِ، فَإِنَّ الْمَوْتَ بِإِزَائِكُمْ أَيْنَ كُنْتُمْ، وَوَاصِلٌ إِلَى أَنْفُسِكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ وَلَوْ تَحَصَّنْتُمْ مِنْهُ بِالْحُصُونِ الْمَنِيعَةِ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ فَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَعْنِي بِهِ قُصُورٌ مُحَصَّنَةٍ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
١٠٠٢٠- حَدَّثنَا بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ : حَدَّثَنَا يَزِيدُ، قَالَ : حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ :﴿وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ﴾ يَقُولُ : فِي قُصُورٍ مُحَصَّنَةٍ.