وَقَرَأَ آخَرُونَ ذَلِكَ :(لَوْ تَسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عَامَّةِ قُرَّاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِالْمَعْنَى الأَوَّلِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ تَرَكُوا تَشْدِيدَ السِّينِ، وَاعْتَلُّوا بِأَنَّ الْعَرَبَ لاَ تَكَادُ تَجْمَعُ بَيْنَ تَشْدِيدَيْنِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ.
وَقَرَأَ ذَلِكَ آخَرُونَ :﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾ بِمَعْنَى : لَوْ سَوَّاهُمُ اللَّهُ وَالأَرْضَ، فَصَارُوا تُرَابًا مِثْلَهَا بِتَصْيِيرِهِ إِيَّاهُمْ، كَمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ بِهِ مِنَ الْبَهَائِمِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ مُتَقَارِبَاتُ الْمَعْنَى، وَبِأَيِّ ذَلِكَ قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ، لِأَنَّ مَنْ تَمَنَّى مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ يَوْمَئِذٍ تُرَابًا إِنَّمَا يَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بِتَكْوِينِ اللَّهِ إِيَّاهُ كَذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَنْ تَمَنَّى منهم أَنْ يَكُونَ اللَّهُ جَعَلَهُ كَذَلِكَ فَقَدْ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ تُرَابًا. غيرأَنَّ الأَمْرَ وَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ، فَأَعْجَبُ الْقِرَاءَةِ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ : لَوْ تَسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ، بِفَتْحِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ، كَرَاهِيَةَ الْجَمْعِ بَيْنَ تَشْدِيدَيْنِ فِي حَرْفٍ وَاحِدٍ، وَلِلتَّوْفِيقِ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ :﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾فَأَخْبَرَ اللَّهُ، عَنْهُمْ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَتَمَنَّوْنَ أَنْ يَكُونوا كَانُوا تُرَابًا، وَلَمْ يُخْبِرْ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا : يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا، فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ﴾، فَيُسَوَّوْا هُمْ، وَهِيَ أَعْجَبُ إِلَيَّ لِيُوَافِقَ ذَلِكَ الْمَعْنَى الَّذِي أَخْبَرَ عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ :﴿يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾.


الصفحة التالية
Icon