قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ بِتَأْوِيلِ الآيَةِ، تَأْوِيلُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ نَهْي مِنَ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَهُمْ سُكَارَى مِنَ الشَّرَابِ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْخَمْرِ، لِلأَخْبَارِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ نَهْي مِنَ اللَّهِ، وَأَنَّ هَذِهِ الآيَةِ نَزَلَتْ فِيمَنْ ذَكَرْتُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ.
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَاهُ، وَالسَّكْرَانُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ نَظِيرُ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ، وَأَنْتَ مِمَّنْ تُحِيلُ تَكْلِيفَ الْمَجَانِينَ لِفَقْدِهِمُ الْفَهْمَ بِمَا يُؤْمَرُ وَيُنْهَى ؟ قِيلَ لَهُ : إِنَّ السَّكْرَانَ لَوْ كَانَ فِي مَعْنَى الْمَجْنُونِ لَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ، وَلَكِنَّ السَّكْرَانَ هُوَ الَّذِي يَفْهَمُ مَا يَأْتِي وَيَذَرُ، غَيْرَ أَنَّ الشَّرَابَ قَدْ أَثْقَلَ لِسَانِهِ وَأَحَرَّ جِسْمَهُ وَأَخْدَرَهُ، حَتَّى عَجَزَ عَنْ إِقَامَةِ قِرَاءَتِهِ فِي صَلاتِهِ وَحُدُودِهَا الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فِيهَا مِنْ غَيْرِ زَوَالِ عَقْلِهِ، فَهُوَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَنُهِيَ عَنْهُ عَارِفٌ فَهِمٌ، وَعَنْ أَدَاءِ بَعْضِهِ عَاجِزٌ بِخَدَرِ جِسْمِهِ مِنَ الشَّرَابِ. وَأَمَّا مَنْ صَارَ إِلَى حَدٍّ لاَ يَعْقِلُ مَا يَأْتِي وَيَذَرُ، فَذَلِكَ مُنْتَقِلٌ مِنَ السَّكَرِ إِلَى الْخَبْلِ، وَمَعْدُودٌ فِي الْمَجَانِينِ الْمَجَانِينِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ الَّذِي خُوطِبَ بِقَوْلِهِ :﴿لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ﴾ لِأَنَّ ذَلِكَ مَجْنُونٌ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِهِ السَّكْرَانُ، وَالسَّكْرَانِ مَا وَصَفْنَا صِفَتَهُ.


الصفحة التالية
Icon