وَالْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجَلِهَا جَعَلْنَاهُ مُخَيَّرًا فِيمَا جَاوَزَ الْكَفَّيْنِ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَحِدَّ فِي مَسْحِ ذَلِكَ بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ حَدًّا لا يَجُوزُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ، فَمَا مَسَحَ الْمُتَيَمِّمُ مِنْ يَدَيْهِ أَجْزَأَهُ، إِلاَّ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ، أَوْ قَامَتِ الْحُجَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ التَّقْصِيرُ عَنْهُ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ عَنِ الْكَفَّيْنِ غَيْرُ مُجْزِئٍ، فَخَرَجَ ذَلِكَ بِالسُّنَّةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَإِذْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، وَكَانَ الْمَاسِحُ بِكَفَّيْهِ دَاخِلاً فِي عُمُومِ الآيَةِ كَانَ خَارِجًا مِمَّا لَزِمَهُ مِنْ فَرْضِ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْجُنُبِ، هَلْ هُوَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي رُخْصَةِ التَّيَمُّمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَمْ لاَ ؟
فَقَالَ جَمَاعَةٌ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْخَالِفِينَ : حُكْمُ الْجُنُبِ فِيمَا لَزِمَهُ مِنَ التَّيَمُّمِ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ حُكْمُ مَنْ جَاءَ مِنَ الْغَائِطِ، وَسَائِرِ مَنْ أَحْدَثَ مِمَّنْ جَعَلَ التَّيَمُّمَ لَهُ طَهُورًا لِصَلاَتِهِ، وَقَدْ ذَكَرْتُ قَوْلَ بَعْضِ مَنْ تَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ :﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ أَوْ جَامَعْتُمُوهُنَّ، وَتَرَكْنَا ذِكْرَ الْبَاقِينَ لِكَثْرَةِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ.
وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنَّ لِلْجُنُبِ التَّيَمُّمَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ فِي سَفَرِهِ بِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى ذَلِكَ نَقْلاً عَنْ نَبِيِّهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي يَقْطَعُ الْعُذْرَ، وَيُزِيلُ الشَّكَّ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ : لاَ يُجْزِئُ الْجُنُبَ غَيْرُ الاِغْتِسَالِ بِالْمَاءِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ، وَالتَّيَمُّمُ لاَ يُطَهِّرُهُ. قَالُوا : وَإِنَّمَا جُعِلَ التَّيَمُّمُ رُخْصَةً لِغَيْرِ الْجُنُبِ، وَتَأَوَّلُوا قَوْلَ اللَّهِ :﴿وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ﴾ قَالُوا : وَقَدْ نَهَى اللَّهُ الْجُنُبَ أَنْ يَقْرَبَ مُصَلَّى الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ مُجْتَازًا فِيهِ حَتَّى يَغْتَسِلَ، وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ بِالتَّيَمُّمِ. قَالُوا : وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِ :﴿أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ أَوْ لاَمَسْتُمُوهُنَّ بِالْيَدِ دُونَ الْفَرْجِ وَدُونَ الْجِمَاعِ. قَالُوا : فَلَمْ نَجِدِ اللَّهَ رَخَّصَ لِلْجُنُبِ فِي التَّيَمُّمِ، بَلْ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ وَأَنْ لاَ يَقْرَبَ الصَّلاَةَ إِلاَّ مُغْتَسِلاً. قَالُوا : وَالتَّيَمُّمِ لاَ يُطَهِّرُهُ لِصَلاَتِهِ.


الصفحة التالية
Icon