مِنْ أَمْثَالِ جِبَالٍ، وَلَيْسَ بِجِبَالٍ. وَقَالَ : وَإِنْ كَانَ أَنْزَلَ مِنْ جِبَالٍ فِي السَّمَاءِ مِنْ بَرَدٍ جِبَالاً، ثُمَّ حَذَفَ الْجِبَالَ الثَّانِيَةَ وَالْجِبَالَ الأَوَّلَ فِي السَّمَاءِ جَازَ، كما تَقُولُ : أَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ، تُرِيدُ : أَكَلْتُ مِنَ الطَّعَامِ طَعَامًا، ثُمَّ تَحْذِفُ الطَّعَامَ وَلاَ تُسْقِطُ مِنْ.
وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ، أَنَّ مَنْ لاَ تَدْخُلُ فِي الْكَلاَمِ إِلاَّ لِمَعْنًى مَفْهُومٍ، وَقَدْ يَجُوزُ حَذْفُهَا فِي بَعْضِ الْكَلاَمِ وَبِالْكَلامِ إِلَيْهَ حَاجَةٌ لِدَلاَلَةِ مَا يَظْهَرُ مِنَ الْكَلاَمِ عَلَيْهَا، فَأَمَّا أَنْ تَكُونَ فِي الْكَلاَمِ لِغَيْرِ مَعْنًى أَفَادَتْهُ بُدُخُولِهَا، فَذَلِكَ ما قَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِيمَا صَحَّ مِنَ الْكَلامِ.
وَمَعْنَى دُخُولِهَا فِي قَوْلِهِ :﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ لِلتَّبْعِيضِ إِذْ كَانَتِ الْجَوَارِحُ تُمْسِكُ عَلَى أَصْحَابِهَا مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَهُمْ لُحُومَهُ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ فَرْثَهُ وَدَمَهُ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْتَ عَلَيْكُمْ جَوَارِحُكُمُ الطَّيِّبَاتِ الَّتِي أَحْلَلْتُ لَكُمْ مِنْ لُحُومِهَا دُونَ مَا حَرَّمْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ خَبَائِثِهِ مِنَ الْفَرْثِ وَالدَّمِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ أُطَيِّبْهُ لَكُمْ، فَذَلِكَ مَعْنَى دُخُولِ مِنْ فِي ذَلِكَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ فَقَدْ بَيَّنَّا وَجْهَ دُخُولِهَا فِيهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَأَمَّا دُخُولُهَا فِي قَوْلِهِ :﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ﴾ فَسَنُبَيِّنُهُ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى :@