ثُمَّ خَوَّفَهُمْ إِنْ هُمْ فَعَلُوا مَا نَهَاهُمْ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِهِ فَقَالَ : اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَرِيعٌ حِسَابُهُ لِمَنْ حَاسَبَهُ عَلَى نِعْمَِهِ عَلَيْهِ مِنْكُمْ وَشَكَرَ الشَّاكِرُ مِنْكُمْ رَبَّهُ، عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ بِطَاعَتِهِ إِيَّاهُ فِيمَا أَمَرَ وَنَهَى، لِأَنَّهُ حَافِظٌ لِجَمِيعِ ذَلِكَ منِكُمْ محِيطُ بِهِ، لاَ يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيُجَازِي الْمُطِيعَ مِنْكُمْ بِطَاعَتِهِ وَالْعَاصِي بِمَعْصِيَتِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ لَكُمْ جَزَاءَ الْفَرِيقَيْنِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانَ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾
يَعْنِي جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ :﴿الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ﴾ الْيَوْمَ أَحِلَّ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ الْحَلاَلُ مِنَ الذَّبَائِحِ وَالْمَطَاعِمِ، دُونَ الْخَبَائِثِ مِنْهَا.
قَوْلُهُ :﴿وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ﴾ وَذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَهُمُ الَّذِينَ أُوتُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ، وَأُنْزِلَ عَلَيْهِمْ، فَدَانُوا بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا ﴿حِلٌّ لَكُمْ﴾ يَقُولُ : حَلاَلٌ لَكُمْ أَكْلُهُ دُونَ ذَبَائِحِ سَائِرِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِينَ لاَ كِتَابَ لَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَعَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَالأَصْنَامِ، فَإِنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَقَرَّ بِتَوْحِيدِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ وَدَانَ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَحَرَامٌ عَلَيْكُمْ ذَبَائِحُهُمْ.