وَأَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ مُنْفَصِلٌ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ :﴿أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ﴾ مَقْصُودًا بِهِ قَصْدُ الْوَحْشِ، لَمْ يَكُنْ أَيْضًا لِإِعَادَةِ ذِكْرِ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ :﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ وَجْهٌ وَقَدْ مَضَى ذِكْرُهُ قَبْلُ، وَلَقِيلَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ، إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، غَيْرَ مُحِلِّيهِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ. وَفِي إِظْهَارِهِ ذِكْرُ الصَّيْدِ فِي قَوْلِهِ :﴿غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ﴾ أَبْيَنُ الدَّلاَلَةِ عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : فَإِنَّ الْعَرَبَ رُبَّمَا أَظْهَرِتْ ذِكْرَ الشَّيْءِ بِاسْمِهِ وَقَدْ جَرَى ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ ؟ قبل قِيلَ : ذَلِكَ مَنْ فَعَلَهَا ضَرُورَةُ شِعْرٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْفَصِيحِ الْمُسْتَعْمَلِ مِنْ كَلاَمِهِمْ، وَتَوْجِيهُ كَلاَمِ اللَّهِ إِلَى الأَفْصَحِ مِنْ لُغَاتِ مَنْ نَزَلَ كَلاَمُهُ بِلُغَتِهِ أَوْلَى مَا وُجِدَ إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ مِنْ صَرْفِهِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ
فَمَعْنَى الْكَلاَمِ إِذَنْ : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِعُقُودِ اللَّهِ الَّتِي عَقَدَ عَلَيْكُمْ، فيِمَّا حَرَّمَ وَأَحَلَّ، لاَ مُحِلِّينَ الصَّيْدَ فِي حَرَمِكُمْ، فَفِيمَا أَحَلَّ لَكُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ الْمُذَكَّاةِ دُونَ مِيتَتِهَا مُتَّسَعٌ لَكُمْ وَمُسْتَغْنًى عَنِ الصَّيْدِ فِي حَالِ إِحْرَامِكُمْ.