فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا الْعَدَاوَةُ الَّتِي بَيْنَ النَّصَارَى، فَتَكُونُ مَخْصُوصَةً بِمَعْنَى ذَلِكَ ؟ قِيلَ : ذَلِكَ عَدَاوَةُ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ وَالْمَلَكِيَّةِ النَّسْطُورِيَّةِ وَالْيَعْقُوبِيَّةِ، وَلَيْسَ الَّذِي قَالَهُ مَنْ قَالَ : مَعْنِيٌّ بِذَلِكَ إِغْرَاءُ اللَّهِ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى بِبَعِيدٍ، غَيْرَ أَنَّ هَذَا أَقْرَبُ عِنْدِي وَأَشْبَهُ بِتَأْوِيلِ الآيَةِ لِمَا ذَكَرْنَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾
يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اعْفُ عَنْ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ هَمُّوا بِبَسْطِ أَيْدِيهِمْ إِلَيْكَ وَإِلَى أَصْحَابِكَ، وَاصْفَحْ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ وَرَاءِ الاِنْتِقَامِ مِنْهُمْ، وَسَيُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ عِنْدَ وُرُودِهِمُ اللَّهَ عَلَيْهِ فِي مَعَادِهِمْ بِمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَصْنَعُونَ مِنْ نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُ، وَنَكْثِهِمْ عَهْدَهُ، وَتَبْدِيلِهِمْ كِتَابَهُ، وَتَحْرِيفِهِمْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، فَيُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ حَسَبَ اسْتِحْقَاقِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾
يَقُولُ عَزَّ ذِكْرُهُ لِجَمَاعَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ كَانُوا فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا، يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.