وَقَوْلُهُ :﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى النُّورُ الَّذِي أَنَارَ لَكُمْ بِهِ مَعَالِمَ الْحَقِّ. ﴿وَكِتَابٌ مُبِينٌ﴾ يَعْنِي : كِتَابًا فِيهِ بَيَانُ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ بَيْنَهُمْ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَحَلاَلِهِ وَحَرَامِهِ وَشَرَائِعِ دِينِهِ، وَهُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُبَيِّنُ لِلنَّاسِ جَمِيعَ مَا بِهِمُ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ وَيُوَضِّحُهُ لَهُمْ، حَتَّى يَعْرِفُوا حَقَّهُ مِنْ بَاطِلِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾
يَعْنِي عَزَّ ذِكْرُهُ : يَهْدِي بِهَذَا الْكِتَابِ الْمُبِينِ الَّذِي جَاءَ مِنَ اللَّهِ جَلَّ جَلاَلُهُ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ﴾ يُرْشِدُ بِهِ اللَّهُ وَيُسَدِّدُ بِهِ. وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ بِهِ عَائِدَةٌ عَلَى الْكِتَابِ ﴿مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ﴾ يَقُولُ : مَنِ اتَّبَعَ رِضَا اللَّهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الرِّضَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ : الرِّضَا مِنْهُ بِالشَّيْءِ : الْقَبُولُ لَهُ وَالْمَدْحُ وَالثَّنَاءُ. قَالُوا : فَهُوَ قَابِلٌ الإِيمَانَ وَمُزَكٍّ لَهُ، وَمُثْنٍ عَلَى الْمُؤْمِنِ بِالإِيمَانِ، وَوَاصِفٌ الإِيمَانَ بِأَنَّهُ نُورٌ وَهُدًى وَفَصْلٌ.
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى الرِّضَا مِنَ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ مَعْنًى مَفْهُومٌ، هُوَ خِلاَفُ السَّخَطِ، وَهُوَ صِفَةٌ مِنْ صِفَاتِهِ عَلَى مَا يُعْقَلُ مِنْ مَعَانِي الرِّضَا، الَّذِي هُوَ خِلاَفُ السَّخَطِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِالْمَدْحِ، لِأَنَّ الْمَدْحَ وَالثَّنَاءَ قَوْلٌ، وَإِنَّمَا يُثْنَى وَيُمْدَحُ مَا قَدْ رُضِيَ ؛ قَالُوا : فَالرِّضَا مَعْنًى، وَالثَّنَاءُ وَالْمَدْحُ مَعْنًى لَيْسَ بِهِ.
وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ :﴿سُبُلَ السَّلاَمِ﴾ طُرُقَ السَّلاَمِ، وَالسَّلاَمُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ.